طلبًا تلقائيًا، وأقبلت عليها، مدفوعة بدافع الرغبة في التعويض عما حرمه الدين عليها من الفنون المنظورة، لتزين بها مساجدها وأوانيها ومنسوجاتها.
وكما أن الزخرفة التي ارتبطت أولا بهندسة البناء ثم بالفسيفساء والرخام المصنف، انتقلت إلى الخطوط، فكذلك قد سرت موجة الزخرفة التي كانت تصطخب بها الأفئدة العباسية، إلى صناعتي الإنشاء والنظم. ألا ترى أن زخرفة الخط تدعو بطبيعتها إلى لفظ مزخرف؟ خذ مثلًا قول الحريري:
زينب زينت بقد يقد ... وتلاوة ويره نهد يهد
ألا ترى أن مثل هذا مما يحرص الخطاط على اصطياده، ثم ألا ترى أن النزعة الجمالية التي تطرب لرؤية التقطيعات الهندسية في زركشة البناء، وتوشية الخط، وأشكال النسيج، يعجبها أيضًا أن تلقي لفظًا متوازيًا متقاطعًا في جرسه ورسمه ووزنه؟
وما احسب أبا تمام (وغن شئت فمسلم) إلا قد كان هو وأضرابه من الرواد الأولين إلى إظهار هذه النزعة الزخرفية الهندسية الكامنة في نفوس مجتمعهم، عن طريق العبارات المنظومة. ويدلك -سوى ما ذكرنا- على أن هذه النزعة الزخرفية كانت كامنة في النفوس، إقبال الشعراء، حتى البحتري الذي هو آية من آيات الطبع والسلاسة، على الزركشة اللفظية، وحتى ابن الرومي الذي كان يتعمد تتبع المعاني، وحتى المتنبي الذي كان يطلب الوضوح. ولعله مما يزيد كلامنا هذا بيانًا ما رواه ابن رشيق في العمدة (١)، من أن ابن الرومي ذكر في الاعتذار عن قول أبي تمام:
وحوافرٍ حفرٍ وصلب صلب
أن أبا تمام "كان يطلب المعنى ولا يبالي باللفظ، حتى لو تم له المعنى بلفظة نبطية لأتى