للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكلني إلى شوقي وسر يسر الهوى ... إلى حرقاتي بالدموع السوارب

أميدان لهوي من أرتاح لك البلى ... فأصبحت ميدان الصبا والجنائب

أصابتك أبكار الخطوب فشتتت ... هواي بأبكار الظباء الكواعب

نكتفي بهذا القدر. ثم ننظر في هذه الأبيات: الأول فالأول. خذ قوله: أعني أفرق شمل دمعي إلى آخره، تجده استعمل "الشمل" بدءًا استعمالا مجازيًا، ثم رجع واستعملها في الشطر الثاني الاستعمال الحقيقي. فهذا على مذهب الرماني تصرف. وإن شئت عددته نوعًا من التكرار. ولكنه لا يخفى على الناقد البصير أن الشاعر أراد فيه إلى الجناس بين كلمتين متساويتين، حتى في ظاهر المعنى، ويفرق بينهما الوضع فشمل الدمع شيء غير شمل الأحبة. ويقرب من هذا في التصرف المجازي قوله: ما بك إركابي الخ ومثله تمامًا قوله: "أبكار الخطوب" و"أبكار الظباء". ونحو هذا أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه تلاعب بالألفاظ، واحتيال على المعاني لإبرازها في صورة الوشي والزخرفة.

ومن أمثلة هذا التجنيس المجازي في شعر أبي تمام قوله (١):

غدت تستجير الدمع خوف نوى غد ... وعاد قتادا عندها كل مرقد

فانقذها من غمرة الموت أنه ... صدود فراق لا صدود تعمد

لاحظ المقابلة بين الصدود والصدود

فأجرى لها الإشفاق دمعا موردًا ... من الدم يجري فوق خد مورد

هي البدر يغنيها تودد وجهها ... إلى كل من لاقت وإن لم تودد


(١) ديوانه: ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>