فمكان المجانسة المجازية وما ينطوي تحتها من عنصر الاختلاف المعنوي بارز هنا في قوله "دمع مورد" و"خد مورد" و"تودد الوجه" و"التودد" بمعناه المعروف؛ هذا، وقد يتبادر إلى القارئ أن نحو هذا التجنيس الذي جاء في هذه الأبيات الدالية وأخواتها البائية، قد يدخل في حيز التكرار الترنمي، ويمكن أن تعده من باب رد الصدر على الأعجاز، أو من بابي ما سماه القدماء بالتصدير والترديد. وهذا يجوز بحسب الظاهر. ولكن حقيقة الزخرفة والقصد إلى خلق جو من الإبهام والإغراب، يعتمد على المشابهة اللفظية، والمقابلة في المعنى، تجعل هذا الصنف أدخل في الجناس وأبعد من أصناف التكرار الترنمي المحض كالذي في قول جرير:
متى كان الخيام بذي طلوح ... سقيت الغيث أيتها الخيام
أو أنواع رد الصدر على العجز الترنمية الخالصة، نحو قول البحتري:
إذ التكرار الترنمي في جميع أنواعه لا يخالطه الإبهام، ولا طلب النادرة الفكرية، ولا الرغبة في المجانسة اللفظية، والمقابلة المعنوية.
هذا، ومن الأصناف المقاربة للجناس المجازي التي أكثر أبو تمام من استعمالها ورياضتها، جناس الاشتقاق المصحوب بنوع من حذق ومهارة. كالذي في وقوله:
إذا ما غدا أغدى كريمة ماله ... هديًا ولو زفت لألأم خاطب
فغدا، وأغدى من أصل واحد، يفرق بينهما لزوم الأولى، وتعدي الثانية. واستعمال الشاعر لهما كما قد فعل، فيه عمد إلى الإشارة والتنويه بهذا الفرق. ولا يخفى قرب الصلة وصفة المناسبة بين هذا المذهب، والمذهب الذي اتبعه آنفًا، من استعمال الكلمة الواحدة بطريقتين: إحداهما مجازية، والخرى حقيقية.