والحق، ان البحتري يكاد يكون قد استغنى عن طريقة التجنيس المجازي الغالبة على شعر حبيب، إذ استبدل منها تنويع الألفاظ، وتمويه المقابلات المعنوية، بطلاء من السلاسة الناشئة من التنويع، يجعل ما تشتمل عليه من زخرف أبرع وأبهر، وعمد في التجنيس إلى تلافي ما قصر عنه حبيب ولاسيما في باب الجناس المتشابه بحسب الأصول. ومع أن حبيبا كان يتعاطى هذا، كان مع ذلك أحرص على الضرب الأول، وكان طلبه للجناس المتشابه بمنزلة الارتياح بعد الحاحه على المعادلات والمقابلات المشتملة على الجناس المجازي
فمن أمثلة الجناس المتشابهة عند البحتري قوله:
راحت لأربعك الرياح مريضة ... وأصاب مغناك الغمام الصيب
وقوله:
رحلوا فأية عبرة لم تكسب ... أسفا وأي عزيمة لم تسلب
قد بين البين المفرق بيننا ... عشق النوى لربيب ذاك الربرب
صدق الغراب لقد رأيت شموسهم ... بالأمس تغرب عن جوانب غرب
وقوله:
كم بالكئيب من اعتراض كثيب ... وقوام غصن في الثياب رطيب
وبذي الأراكة من مصيف لابس ... نسج الرياح ومربع مهضوب
دمن لزينب قبل تشريد النوى ... من ذي الأراك بزينب ولعوب
ومن مشهور جناساته المشابهة قولة:
ألما فات من تلاق تلاف ... أم لشاك من الصبابة شاف؟
أم هو الدمع عن جوى الحب باد ... والجوى من جوانح الصدر خاف