للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله:

ولاح هلال مثل نون أجادها ... بجاري النضار الكاتب ابن هلال

وقوله:

تقول ظباء الحزم والدمع ناظم ... على عقد الوعساء عقد ضلال

ولعل اقتدار المعري في تمثيل أصوات ما ينعته بواسطة الجناس الحرفي، شيء كاد ينفرد بالتبريز فيه بين سائر شعراء العرب. وقد وجد في دقة إحساسه بالصوت، وصفاء ذوقه في تخير الألفاظ، ومحبته للترنم ما أعانه على الإجادة في هذا الباب. خد مثلاّ قوله في النار:

نار لها ضرمية كرمية ... تأريثها إرث عن الأسلاف

تسقيك والأري الضريب ولو عدت ... نهي الإله لثلث بسلاف (١)

أنظر إلى هذه الراءات والياءات المشددة، كيف تحمل إليك صوت ضرام النار. ثم تأمل هذا الجناس في قوله: "تأريثها، وإرث"، وقوة الصلة بينه وبين صوت الشيء الموصوف.

وخذ قوله وهو يذكر حنين الإبل، ويزعم متظرفا، أنها ربما تكون قد حلمت ورأت في المنام، أوديتها التي كانت تجاذب فيها ذوائب الطلح والضال:


(١) الأرى: هو العسل. والضريب: هو اللبن. يقول: إن هذه النار من كرم أهلها تسقيك اللبن والعسل، ولو كان لها أن تكرمك بالمحرم، لتسقيك السلاف. وكأن المعري خشي أن يحمل منه هذا الكلام على أنه رجل يحب السلاف، فأضاف قوله:
وإذا تضيفت النعام ضياءها ... حمل الهبيد لها مع الألطاف
والهبيد: هو حب الحنظل، وهو من فواكه النعام. والفكاهة في هذه الصورة، صورة الخدم يحملون الهبيد والمسامير والحجارة في صحاف، ليكرموا بها ضيوف النعام، تصرف الذهن شيئًا عما ذكره المعري من السلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>