لعل كراها قد أراها جذابها ... ذوائب طلح بالعقيق وضال
ومسرحها في ظل احوي كأنها ... إذا أظهرت فيه ذوات حجال
فالبيت الأول بهاءاته وراءاته تمهيد لهذه الحركة القوية في البيت الثاني، التي تنقل إلينا صوت مشافر الإبل وكراكرها وهي تجذب الأغصان، والبيت الثالث مع احتفاظه بصدى هذه الحركة، فيه قصد إلى التخلص منها في يسر واختلاس. ولعل من "فهاجني". وقوله:"فهل، وهذي" بعد ذلك، وما داخل هذا من التكرار، ورد الصدر على العجز، وترديد كلمة خيال في قافية البيت.
ثم انظر إلى الفصل "بقد" بين "كراها، وأراها"، وبهما مثل الشاعر جرس الكركرة، التي تصحب انشغال الإبل بجذاب الذائب، ثم انظر التخلص من حركة الراء إلى حركة أخري تمثل أصوات الإبل، هي ذبذبة الذال، وقد أحسن المعري التخلص من "أراها" إلى "جذابها" بهاء المؤنثة وألفها، ثم انتقل من جذابها إلى ذوائب، محتفظا بالذال والألف والياء.
وفي البيت الثالث كرر الراء في مسرحه وأظهرت، وخلص منها إلى الترنم بالحاء في " أحوى، وحجال، ومسرحها". وذلك يسر له أن يستمر في النظم، وينسي صوت الإبل وكركرتها وذبذبتها.
هذا، ومن خير ما يستشهد به المرء، على افتنان المعري في التجنيس ليكسب استحسان الناس، وليعبر مع ذلك عما في نفسه، من نغم مدندن، وحب لموسيقا الأجراس، ومقدرة على تخير اللفظ، عينيته في وداع بغداد، التي مطلعها (١):