للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبي من الغربان ليس على شرع ... يخيرنا أن الشعوب إلى الصدع

وهي القصيدة الرائعة التي ودع فيها آماله، وأودعها أحر صرخات قلبه. وكأنما أراد أن يقول بها لأهل بغداد: "أنظروا هذا الجمال، هذا السحر الحلال، هذا الوشي الحبرة، أيسركم أن يركب صاحبه الفلوات"؟ لا، بل قد صرح بهذا القول واضحا في بيته:

فدونكم خفض الحياة فإننا ... نصبنا المطايا بالفلاة على القطع

ومما يحسن التنبيه عليه، في معرض الحديث عن هذه القصيدة، أن طريقة المعري في تقطيع المسافة بين غرض وآخر، بالترنم والدندنة، واضحة فيها أيما وضوح.

ودونك منها قوله في صفة الحمائم، وهو غرض من الأغراض التقليدية، كان لأبي العلاء به ولع خاص، وما فتئ يكرره في منظومه ومنثوره، ويفتن في ذلك، قال:

وشكلين ما بين الأثافي واحد ... وآخر موف من أراك على فرع

يشير هنا إلى ما اعتادته العرب من تشيبه الحمام بالرماد، والرماد بالحمام (١).

أتي وهو طيار الجناح وإن مضي ... أشاح بما أعيا سطيحا من السجع (٢)

يجيب سماويات لون كأنما ... شكرن بشوق أو سكرن من البتع (٣)

تري كل خطباء الجناح كأنما ... خطيب تنمي في الغضيض من الينع (٤)


(١) قال الشماخ يصف الرماد:
وإرث رماد كالحمامة ماثل ... ونؤيان في مطلومتين كداهما
(٢) سطيع: من كهان العرب.
(٣) شكرن: أي امتلأن. والبتع: خمر العسل.
(٤) الخطباء: هي الضاربة اللون إلى الخضرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>