للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك إلى الدندنة المحضة، وإضفاء ستر من الصناعة على ما سبق الإفصاح به من صادق العاطفة والشعور، فقال:

متي ذن أنف البرد سرتم فليته ... عقيب التنائي كان عوقب بالجدع

تأمل النون من "ذن، وأنف"، والجناس في "عقيب، وعوقب". ومعني هذا البيت من النوع البعيد المتصيد على طريقة ابي تمام، فهو يقول: متي جاء الشتا رحلتم فليت الشتاء لم يجئ. وجعل للشتاء أنفاّ، وليت شعري عن الآمدي لو سمع هذا أكان يثور عليه كما قد ثار على ما استعاره حبيب من الانوف والاخادع؟

وما أورقت أوتاد دارك باللوي ... ودارة حتى أسقيت سبيل الدمع

وأقف بك هنا أيها القارئ عند قوله: "دارك، ودارة"، كيف تلطف وجاء بهما معا في هذا الطراز البديع من الترنم! والبيت كله وشي مرصع، وتصداح مطرب.

ذكرت بها قطعا من الليل وافيا ... مضي كمضي السهم أقصر من قطع (١)

وما شب نارا في تهامة سامر ... يد الدهر إلا أب قلبك في سلع (٢)

ولا أحسب القارئ إلا قد فطن لأسلوب البداوة في قوله: "يد الدهر إلا"

وانسجامه مع الجناس والسجع في "شب وأب".

ولم يزال أبو العلاء يدندن هكذا، حتى بلغ الذروة من النغني في قوله يصف الأعرابية على طريقة المتنبي:

وفي الحي أعرابية الأصل محضة ... من القوم إعرابية القول بالطبع

وقد درست نحو الفلا فهي لبة ... بما كان من جر البعير أو الرفع


(١) القطع بالكسر في آخر البيت: هو السهم وفي أوله الجزء من الليل.
(٢) أب: أي حن واشتاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>