أم لعله لقوة سمعه كان أول من نبه الركب إلى اقتراب الأسد؟
وكم جبت أرضًا ما انتعلت بمروها ... وجاوزت أخرى ما شددت لها شسعي
أي جاوزتها مجاوزة سريعة، على ظهور الإبل النواجي، لم تمكني من أن أسير عليها حافيًا أو ناعلًا. ولا يعني بهذا البيت أن يتصعلك على طريقة المتنبي في قوله:
ومهمه جنته على قدمي
وإن كان ظاهر لفظه يوهم ذلك.
وبت بمستن اليرابيع راقدًا ... يطوفن حولي من فرادى ومن شفع
وفي هذا البيت إفصاح قوي بدقة حاسة اللمس عند المعري، ومقدرته على التعبير بها. ولا أظن أحدًا ممن أتيح له أن نام في صحراء تحبو خنافسها ويرابيعها، يفوته ما في هذا البيت من جمال الوصف.
هذا، ثم انتقل المعري من صفة اليرابيع والسباع إلى صفة اللصوص الذين صحبهم في الطريق. واتخذ هؤلاء ذريعة إلى أحد الأغراض التقليدية، التي كان له بها غرام زائد، وذلك وصف السيف. ولعل المعري كان يتوق من أعماق نفسه إلى هذا البريق الذي ينسبه الشعراء إلى السيف. ولعل "عقله الباطن" كان يدفعه إلى وصف كل لماع ذي شعاع كالسماء ونجومها، وكالسراب والدرع والسيف والنار - أليس في عماه ما يبرر مثل هذا الحنين من جانبه إلى الضوء ولا سيما في مظاهره البارعة الرائعة، كفرند السيف، وائتلاق النجوم؟
ولا أريد هنا أن أطيل على القارئ، بإنشاد جميع ما قاله المعري في السيف في هذه القصيدة. وبحسبي أن أعلق على ذلك تعليقًا مجملًا، فأقول: إنه أفعم هذا الوصف بضروب الجثاس والبديع والاستعارات البعيدة، مثل قوله:
ويأبى ذباب أن يطور ذبابه ... ولو ذاب في أرجائه عمل الرصع