للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي يخاف الذباب أن يقترب من ذباب هذا السيف: أي حده، ولو كان هذا الحد ملطخًا بالعسل، الذي هو عمل الصع: أي النحل (١).

وأظن القارئ قد تأمل براعة الجناس التام، وتكميله بالجناس السجعي الحرفي في ذاب.

وانتقل المعري في ترنمه هذا من وصف السيف، إلى غرض آخر تقليدي، من أغراضه التي كان كلفًا بها، وهو وصف النجوم. وشبه الليل ونجومه بالنوق التي عرقت، وعليها قلائد من ودع في قوله:

كأن الدجى نوق عرقن من الونى ... وأنجمها فيها قلائد من ودع

وألفت القارئ هنا إلى موضع النونات من "نوق، وعرقن"، ومن "الونى"، وأنجمها" - ثم إلى شبه الجملة "فيها"، وهي تمهد للانتقال من هذه النونات إلى نظام آخر من التعبير.

ويبدو لي أن فكرة سواد الليل، وسواد العرق الذي تنضح به النوق، أحدثت في قلب المعري نوعًا من تداعي المعاني، فانتقل من الترنم والتأمل "النوستالجي" في سواد الليل ونجومه، إلى التفكر في حقيقة الحال التي كان يعانيها، فقال:

لبست حداد بعدكم كل ليلة ... من الدهم لا الغر الحسان ولا الدرع

والدرع من الليالي: هي التي تكون مقمرة شطرًا صالحًا. والصلة المعنوية بين هذا البيت وما قبله واضحةٌ.

أظن الليالي وهي خونٌ غوادرٌ ... يردي إلى بغداد ضيقة الذرع

وكان اختياري أن أموت لديكم ... حميدًا فما ألفيت ذلك في الوسع


(١) الصع بفتح الصاد والراء وتسكينها المعري على مذهب الكوفة وهو وجه صحيح وضم الراء الذي في الشروح (١٣٦١) غير صحيح لأن الرصع بالضم جمع أرصع ورصعاء وهي في المعنى كأرسح ورسحاء ولا يستقيم المعنى بها هنا وعن أبي عمرو الرضع بالضاد العجمة أي النحل ولعله الصواب والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>