للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السجعي والحرفي والموسيقي الصرف. وكان يشفعها أحيانًا بالتوريات. وكما قدمنا، فإن التورية شقيقة الجناس وسليلته. تأمل مثلًا قوله من عينيه (تحية كسرى في السناء وتبع (١)):

وطارقتي أخت الكنائن أسرة ... وستر ولحظ وابنة الرمي أربع

وبيضاء ريا الصيف والضيف والرى ... بسيطة عذر في الوشاح المجموع

ومرآتها لا يقتضيها جمالها ... بمرآتها والطبع غير التصنع (٢)

وقد حبيت أموالها في أديمها ... سنين وشبت نارها تحت برقع

أفق إنما البدر المقنع رأسه ... ضلالٌ وغي مثل بدر المقنع (٣)

أراك أراك الجزع جفن مهموم ... وبعد الهوى بعد الهواء المجزع (٤)

فتأمل هذا الإغراب في جعل صاحبة الطيف أختًا لكنائن أربع: كنانة القبيلة، والكنانة التي هي الستر، وعيناها كنانة ترمي بأسهم اللحظ، وقومها ذوو سهام يرمون بها من يهم بها. وأتبع هذا الإغراب إغرابًا آخر، في هذا الجناس المصحف الرائع عند قوله الصيف والضيف. ولا أنسى أن أنبه السامع إلى قوله "البرى" وقوة الشبه بينه وبين قوله "ثقيلة حجل" والبيت الثالث فيه الجناس الشبيه بالتام لفظًا، التام خطًّا، عند قوله "مرآتها ومرآتها".

وأغرب في معنى البيت الرابع، وأشار إلى حادث المقنع الذي ادعى الربوبية في البيت الخامس .. والبيت الأخير فيه أوابد الجناس التام لفظًا وخطًا، والجناس المتشابه، وذلك قوله "أراك أراك"، وقوله: "الجزع" وهو موضع وواد بعينه،


(١) التنوير: ٢ - ١٠١.
(٢) أي جمالها ثابت لا يقتضيها أن تنظر في مرآتها، والمرآة الأولى بكسر الميم، وهي هذه الأداة، والثانية بفتحها من رأي: وهي مصدر ميمي بمعنى الرؤية.
(٣) المقنع في آخر البيت رجل ادعى الألوهية، وزعم أنه يطلع على الناس بدرًا.
(٤) أي جفنك المهوم جعلك تبصر أراك الجزع مع أنه بعيد بعد الهواء المجزع بالنجوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>