للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمجزع: أي المفصل بالخرز والدر. وهاك مثالًا آخر من الإغراب في هذه القصيدة نفسها أورده المعري بمعرض وصف المطايا:

على عشرٍ كالنخل أبدى لغامها ... جنى عشر مثل السبيخ الموضع (١)

تود غرار السيف من حبها اسمه ... وما هي في التوم الغرار بمطمع

مطايا مطايا وجدكن منازلٌ ... منازل عنها ليس عني بمقلع (٢)

تبين قرارات المياه نواكزًا ... قوارير في هاماتها لم تلفع (٣)

مسكينٌ مسكينٌ أبو تمام. لو قد سمع هذا، أظنه كان يضطرب في لحده، على أنه لم يستطع أن يجيء بمثله فيما سهره من ليال. فقد كان أبو تمام، رحمه الله، يعتد أمر هذا الجناس عسرًا عويصًا، وكان يطلبه من بعيد، ويقيم من أجله الألفاظ ويقعدها فما هو إلا أن جاء هذا العبقري الضرير، فجعل يلهو بالألفاظ والمعاني لهوًا، ويعبث بهن عبثًا، انظر مثلًا إلى قوله: "عشرٍ كالنخل" وما فيه من الإيهام. هذا مع أن تشبيه الإبل بالنخل أمرٌ شائع في الشعر لا يلام المعري على المجيء به. ثم إلى لعبه بلفظ "الغرار" و"بالقرارات" و"القوامير". وأما ما جاء به من النحت المحض في "مطايا مطايا"، و"منازل، ومنازل" فأقل ما يقال فيه أنه ليس مما يأتي لعقل خالٍ من شوائب الشذوذ.

وشبيهٌ بهذا الإغراب الذي جاء به في العينية، إغرابه في الطائية التي بعث بها إلى خازن دار العلم ببغداد. والتزام قافية الطاء نفسه أغراب. فمن ذلك قوله:

تجل عن الرهط الإمائي غادةٌ ... لها من عقيل في ممالكها رهط


(١) العشر بتشديد الشين: هي الإبل العواشر أي الظامئة. واللغام: هو زبد الإبل. والعشر: ضرب من الشجر جناه نفاخات فيها سبائب قطنية بيض منتفشة. والسبيخ: هو الريش.
(٢) مطا الأولى بمعنى: مد، ومنا في الشطر الثاني بمعنى: القدر.
(٣) عنى بالقوارير التي في هاماتها: عيونها، وشبيهها بقرارات المياه النواكز: أي التي غاض ماؤها إلا شيئًا يسيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>