والدال وفيه جناس تام خفي لا تكاد تشعر به في قوله:"وردها، والورد"، والبيت الرابع آية من آيات تداعي المعاني. فقد جعله ذكر زمزم يفكر فيما ينسبه الناس إليها من الملوحة. وإلى هذا المعنى أشار في اللزوميات:
تباركت أنهار البلاد سوائح ... بعذب وخصت بالملوحة زمزم
وذكر المرارة والملوحة ذكره بقول الحجاج:"إن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، نثر كنانته بين يديه، وعجم عيدانها، فوجدني أمرها طعما، وأصلبها مكسرا". ثم رجع يصف قوة الدرع وتماسكها، حتى إذا بلغ من ذلك غرضه، أخذ في التحدث عن نفسه، وكأنه -فيما يبدو- ترك وصف الدرع على سبيل الاقتضاب مرة واحدة وأخذ في غرض آخر مباين له كل المباينة. والمتأمل يجد الأمر على خلاف ذلك. فهو بدأ بمدح درعه. ثم ذكر قوتها واقتدارها على رد الأحداث، في قوله:
هازئة بالبيض ارجاؤها ... ساخرة الأثناء بالأسهم
لو أمسكت ما زل عن سردها ... لأبصر الدارع كالشيهم
أي هذه الدرع تهزأ بالسيوف والسهام، وتساقط عنها النبال لملاستها. ولو كانت السهام تلصق بها، لصار لابسها أشبه شيء بالقنفذ، لكثرة ما تساقط عليه. وهذا المعنى، كما لا يخفى، ينظر إلى قول المتنبي:
تكاثرت الهموم علي حتى ... فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهام ... تكسرت النصال على النصال
وما أظن إلا أن المعري قد رمز بقوله هذا، إلى صبره وثباته على الحداث، وسخريته بالنوائب، وعجزها وعجز أعدائه عن أن يؤثروا فيه. وقد كان لهذا الرمز من القوة في نفسه، ما جعله يخرج من التلميح الخفي إلى التصريح الواضح، فيقول