للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أستغفر الله، ولا أندب الـ ... ـأطلال فذ الشخص كالتوءم (١)

وما له يستغفر الله لو لم يشعر أنه قد افتخر افتخارا جاوز به القصد، واقترب به من الإثم؟ ولكن هذا الاستغفار لم يمنعه من أن يستخر من العجاج، ويترنم به في نفس الوقت عند قوله:

هل سمسم فيما مضى عالم ... بوقفة العجاج في سمسم

ثم مضى يصف حقيقة درعه هاته، التي كنى عنها بالأوصاف التقليدية، والتشبيهات المأثورة:

ولست بالناسب غيثًا همى ... إلى السماكين ولا المزرم (٢)

وليس غرباني بمزجورة ... ما أنا من ذي الخفة الأسحم (٣)

مثل خفافٍ ساد في قومه ... على اجتياب الحسب المظلم (٤)

وبعد أن نفى المعري عن نفسه غي هذه الأبيات مذاهب الشعراء، في التظرف بالوصف، والعبث ونعت الطلول، وذكر الغيوث، وزجر الطير، رأى أن ينتقل من النفي إلى الإيجاب، بذكر الحال التي كان عليها من اعتزال وصبر. وقد أحسن التخلص في قوله:

يا ملهم السخل ولا أتبع الـ ... ـأظعان كالنخل على ملهم


(١) لعله يشير بالتوءم هنا، إلى التوأم اليشكري صاحب امرئ القيس. أو لعله يشير إلى أسلوب الشعراء حين يعمد أحدهم إلى تجيد شخصين من نفسه، ومخاطبتهما بقوله: "قفا نبك"، "وخليلي عوجا" وهكذا.
(٢) ينكر أبو العلاء هنا أن يكون مذهبه كمذهب العرب، في نسبة الغيوث إلى الأنواء، وهذا تأله منه، وقد كان الأصمعي لا يفسر ما كان فيه ذكر النجوم من الأشعار.
(٣) ينكر عادة الزجر والتطير على طريقة الشعراء. وذوالخفة الأسحم: هو الغراب، وكان المعري مولعًا بذكره وتشبيهه بسود الناس، كخفاف وسحيم.
(٤) خفاف: هو ابن ندبة، وكان صاحب راية سليم، وكان أسود، أمه أمة سوداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>