للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزعم ابن رشيق أن هذا أحسن تعريف سمعه، وأجمعه لفائدة. وما أشك أن علي بن عيسى الرماني، لم يكن يريد أن يدرج قول قدامة (وكان معاصرًا له) في تعريفه هذا، لأنه كان ذا آراء واضحة شديدة في الجناس، وشاهد قدامة هذا داخل في الجناس، كما عرفه- ويرجح عندي أن الرماني أراد أن يؤكد معنى الضدية التي تكون في الطباق، بتعريفه هذا، ويخرج منه أمثلة التناقص التي يذكرها كثير من البلاغيين مثل قول الفرزدق:

لعمري لئن قل الحصى في عديدكم ... بني نهشل ما لؤمكن بقليل

وهذا يشبه مذهبه في الجناس. وقد كان الرجل منطقيًا، يعجبه التدقيق والتعميق، حتى عيب عليه ذلك (١). ومما يؤكد رأينا هذا في تفسير كلام الرماني، ما رواه لنا ابن رشيق عنه، بمعرض الحديث عن بيت الحسين بن مطير (٢):

بسود نواصيها، وحمرٍ أكفها ... وصفر تراقيها، وبيض خدودها

فهذا مما كان يعده الناس طباقًان والرماني ينظر إليه نظرة شرزًا، قال: السواد والبياض ضدان، وسائر الألوان يضاد كل واحدٍ منهما كلما قوى، زاد بعدًا من صاحبه، وما بينهما من الألوان كلما قوى زاد قربًا من السواد، فإن ضعف زاد قربًا من البياض، وأيضًا فلأن البياض منصبغ لا يصبع، والسواد صابغ لا منصبغ، وليس سائر الألوان كذلك، لأنها تصبغ وتنصبغ. ا. هـ. ومن أجل هذا فضل الرماني -كما يظهر من كلام ابن رشيق، رواية ابن الأعرابي لهذا البيت:

بصفر تراقيها، وحمر أكفها ... وسود نواصيها، وبيض خدودها


(١) راجع الإمتاع والمؤانسة ١: ١٣٣.
(٢) العمدة: ٢: ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>