والمتأمل لكلام الرماني، يجد فيه مصداق ما قلناه، من طلب الضدية في الطباق، واشتراطها دون غيرها. والضدية عنده أن تتساوى اللفظتان مساواة تناقض، كالذي ذكره من البياض والسواد، وليس بخاف عنك تدفيقه وتنقيره، حتى إنه ذكر الانصباغ والصابغية.
هذا ويبدو أن ابن رشيق -بدليل الشواهد التي استشهد بها- قد أدرك أن محاولته لجمع الآراء المتضاربة في نطاق قول الرماني، غير مجدية. فرجع إلى الذي كان ذكره آنفًا، من أن الطباق هو الجمع بين الشيء وضده، عند جميع الناس.
وعندي -واعتذر من هذا الاستطراد- أن ابن رشيق إنما دفعه إلى محاولة التوفيق بين هذه الآراء المتناقصة المتضاربة أول الأمر، حرصه الشديد على الاستقصاء، وعلى ذكر الأقوال المختلفة، والانزواء وراءها، يوهمك بذلك- أو لعله كان يريد أن يوهم سيده أبا الحسن، الذي من أجله صنع كتاب العمدة- أنه رجل متواضع، جماع، لاحظ له من الاجتهاد. وهذا غاية التقية والاحتياط منه.
وهو بلا ريب من سادة نقاد العربية القدماء (١) أجمعين، وسيرى القارئ مصداق ذلك إن شاء الله.
هذا، وأرى أن فريق النقاد المتأخرين، قد كانوا أقل حذقًا من المتقدمين الأولين فيما ذكروه من اصطلاحي الطباق، والمقابلة، وكلا النوعين كان يعرفه القدماء باسم المطابقة. وإنما أنسبهم إلى قلة الحذق، لأني أجدهم قد قصدوا إلى الحصر والتبسيط ثم عجزوا عن ذلك. فهم أرادوا بالطباق -كما قدمنا- حصر هذه اللفظ- واصطلاحه لشيء معين، هو الجمع بين الشيء وضده، وهذا أضيق من معناه عند