الأوائل، ثم أرادوا بالمقابلة حصر ما كان يدخله القدماء في باب الطباق من صنوف المساواة والحذف في حيز واحد. فعرفوا المقابلة بأنها إعطاء كل شيء حكمه من جهتي المخالفة والموافقة، وهذا مذهب قدامة، واتبعه عليه الناس، قال (١): "من أنواع المعاني وأجناسها أيضًا صحة المقابلة، وهو أن يصنع الشاعر معاني يريد التوفيق بين بعضها وبعض، والمخالفة، فيأتي في الموافق بما يوافقه، وفي المخالف بما يخالف على الصحة، أو يشترط شروطًا ويعدد أحوالا في احد المعنيينن فيجب أن يأتي في ما يوافقه بمثل الذي شرطه وعدده، وفي ما يخالف بضد ذلك. أ. هـ. ثم اخذ قدامة يستشهد، فذكر قول الشاعر:
تقاصرن واحلولين لي ثم إنه ... أتت بعد أيام طوال أمرت
وقول الشاعر:
وإذا حديث ساءني لم أكتئب ... وإذا حديث سرني لم آشر
وغير ذلك. والشاهدان الماضيان كما ترى يصح إيرادهما في باب الطباق على حسب رأي المتأخرين، وفي باب التكافؤ على مذهب قدامة والنحاس. والحق أن النقاد القدماء قد خلطوا بين أمثلة الطباق والمقابلة خلطًا واضحا، حتى إن مدلولهما ليكاد يخفي. ومن أمثلة خلطهم، بيت الغنوي:
لقد كان أما حلمه فمروح ... عليه وأما جهله فعزيب
ذكر ابن رشيق عن الجرجاني أن بعضهم عدوه طباقًا، وعاب ذلك عليهم قائلا إنه مقابلة.
وقد فطن ابن رشيق إلى ناحية الخلط والالتباس بين الطباق والمقابلة، فحاول أن يصلح الأمر بتوضيح معنى المقابلة، فزعم أنها أكثر ما تقع في الطباق، وأن كل ما