فالسواد والبياض متوازنان من حيث العروض، وإن كان هذا التوازن غير تام، لمكان الألف واللام في السواد ويجيء التوازن في اللفظ والموضع أكثر ورودًا في الشعر من مجيئه في اللفظ وحده، ومجيئه في الموضع دون اللفظ أقل من الأول وأكثر من الثاني.
ولعل القارئ يرجع إلى ما قدمناه من الحديث عن الجناس الازدواجي، وقد قلنا هناك إنه تجانس الكلمات من حيث الوزن دون الحروف، مثل مصابيح ودنانير، ومجهود ونبراس- والوزن قد يكون صرفيًا كما في الأول، وعروضيًا كما في الثاني. فغن فعل ذلك، رأى قرب الصلة بين هذا الذي نسميه طباقًا ازدواجيًا متوازنًا في اللفظ، وذلك الذي سميناه جناسًا ازدواجيًا. والحق أن أمثال، سواد وبياض وإتهام وإنجاد، وطريف وتليد، مما يلتقي فيه الطباق والجناس. هذا الالتقاء كثيرٌ، لأن هذه الأصناف كثيرة في الكلام، ويعول الشعراء عليه في تقوية الجرس وإيجاد انسجام بين اللفظ والمعنى، أيما تعويل. وسنفصل الحديث عنه في باب الموازنة إن شاء الله.
هذا، والنوع الثاني من أنواع الأداء الطباقي، ما يقصد فيه الشاعر إلى تأكيد معنى، بأن يجمع بين أطرافه المتناقضة، مثل قول المتنبي:
ولكن ربهم أسرى إليهم ... فما نفع الوقوف ولا الذهاب
ولا ليل أجن ولا نهار ... ولا خيل حملن ولا ركاب
فالوقوف والذهاب، والليل والنهار، والخيل والركاب، جميعها أضداد. وقد جمعها الشاعر تحت حكم واحد، هو عدم النفع، ليؤكد ويظهر قوته.
وهذا النوع من الطباق، يلجأ ليه شعراء لدفع الشك والتأكيد المطلق.
ومثله قول جرير:
ويقضى الأمر حين تغيبب تيم ... ولا يستأذنون وهم شهود