والشعراء الخطابي النزعة يكثرون من هذا النوع، والمتنبي من أكثر الشعراء تعاطيًا له، وهو بمذهبه أشبه ولا سيما في بحر الوافر، (وقد ذكرنا شدة طلب هذا البحر لرد المور بعضها على بعض، والإكثار من المطابقة الخطابية). ومن أمثلة شعر المتنبي فيه قوله:
أقمت بأرض مصرف لا ورائي ... تخب بي الركاب ولا أمامي
وملني الفراش وكان جنبي ... يمل لقاءه في كل عام
ومما يدخل في هذا النوع من الطباق، أن يعمد الشاعر على معنى يريد أن يطلق عليه حكما عاما. فيحكم عليه بنقيضه أو ضده، إغرابًا منه ومبالغة في تأكيد الحكم العام. مثال ذلك قول أبي الطيب:
ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرًا به الماء الزلالا
فالمراد هنا أن يقول:"يجد كل شيء مرًا" فحكم بالمرارة على الماء الزلال، وهو نقيضها، ليؤكد المعنى.
ومثل هذا قول جرير:
لئيم العالمين يسود تيما ... وسيدهم وإن كرهوا مسود
ومثله قوله أبي الطيب:
فلا تنلك الليالي إن أيديها ... إذا رمين كسرن النبع بالغرب
ولا يعن عدوا أنت قاهره ... فإنهن يصدن الصقر بالخرب
وقصده أن يدل على قوة الليالي وجبروتها، فاختار النقائض ليدلل بها على ذلك، وليدفع كل شك في الحكم الذي أصدره. ولعمري إن ما يسكر النبع بالغرب