للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإخبار قد يبدو خطابيًا في النثر، ولكنه ليس بخطابي في الشعر، أروحه الخطابي ضعيف جدًا، على أقصى تقدير، ومثال ذلك قول حبيب:

وصيروا الأبرج العليا مرتبة ... ما كان منقلبًا أو غير منقلب

فقد سبق له تقديم أنهم صيروا الكواكب جميعها، والنجوم كلها مرتبة. ثم ذكر المنقلب وغير المنقلب تفريعًا على ذلك. وهذا كما ترى من طباق التكرار.

ومثل قوله:

بكر فما افترعتها كف حادثة ... ولا ترقت إليها همة النوب

فقد قدم أنها بكر، وذكر الافتراع بعد ذلك تفريعًا.

ومثل قوله:

وحشية ترمي القلوب إذا اغتدت ... وسنى فما تصطاد غير الصيد

لا حزم عند مجرب فيها ولا ... جبار قوم عندها بعنيد

فقد قدم أنها تصطاد الصيد، والبيت الثاني تعقيب وتفصيل. ولو كان المتنبي أراد هذا المعنى لاختصره وقال مثلا: "إذا نظرت هذه الوحشية، قهرت الأصيد والمجرب والجبار" بل لعله كان يقول: "قهرت الجبار" ويكتفي بذلك، حاملا الجبروت على نقضيه القهر.

وأحسب أنك قد تبينت موضع المزاوجة الموضعية في البيت الثاني. ومع هذا، فإن ذلك لم يخرج البيت في جملته عن مذهب الإخبار.

وهنا، ينبغي أن ننبه على أن الخطابة والإخبار في هذا الباب خاضعان إلى مدى بعيد لعامل النسبية. فكلام أبي تمام المذكور، خطابي إن قيس إلى ما هو أشد تأنيًا وتأتيًا من كلامه الوارد في البحور المتريثة. ولكن خبري بالقياس إلى جرير

<<  <  ج: ص:  >  >>