والمتنبي. ثم لا ننسى أن الطباق في جملته وتفصيله ينحو منحى الخطابة. فتقسيمنا له إلى ذي خطابة وذي إخبار تقسيم فرعي، وكأنما نريد أن نقول: خطابي خطابي، وخطابي خبري. وإذا وضح هذا من مذهبنا، فإن القارئ لن يلقى عنتًا في التوفيق بينه وبين ما سبق لنا تقديمه بمعرض الكلام عن ألوان بحور الشعر.
هذا، والطباق القياسي يكون خبري المذهب، إذ ذكر الشاعر فروع القضايا ووضح المقدمات، مثل قول أبي تمام:
فطول مقام المرء في الحي مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدد
فكأنه أراد أن يلقي بالنتيجة "اغترب تتجدد" ثم توهم سؤالا "لماذا؟ " فأورد البرهان: "لأن طول المقام مخلق". فهذا الكلام واضح المقدمات والبراهين كما ترى. وكأن أبا تمام لم يكتف بما ذكره في البيت، فأردفه بآخر، وهو قوله:
فأني رأيت شمس زيدت محبة ... إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
ومثال آخر قوله:
أعطي ونطفه وجهي في قرارتها ... تصونها الوجنات النضرة القشب
لا يكرم الظفر المعطى وإن أخذت ... به الرغائب حتى يكرم الطلب
فالمقدمات والنتائج واضحة هنا.
ومثال ثالث قوله:
كانت لنا ملعبًا نلهو بزخرفه ... وقد ينفس عن جد الفتى اللعب
فالنتيجة هنا جزئية، وقدم لها الشاعر ما يناسبها.
ويظهر المذهب الخطابي في الطباق القياسي حين يختصر الشاعر المقدمات،