ألم تر خير الناس أصبح نعشه ... على فتية قد جاوز الحي سادرا
ونحن لديه نسأل الله خلده ... يُرد لنا ملكًا وللأرض عامرا
ونحن نرجي الخلد إن فاز قدحنا ... ونرهب قدح الموت إن جاء قامرا
لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا ... وأصبح جد الناس يظلع عاثرا
وردت مطايا الراغبين وعريت ... جيادك لا يخفي لها الدهر حافرا
فموضع المطابقة في هذه الأبيات واضح. أما البيتان الأول والثاني ففيهما المطابقة اللفظية البينة، بين المستكن والظاهر، والورد والمصدر. وفي البيت الثالث مقابلة معنوية، أحد طرفيها تكليفها له بالقدرة على الدهر وتكليفه التكاليف، والطرف الأخير عجز كل إنسان عن ذلك. وبين البيتين الرابع والخامس مقابلة معنوية. وفي السادس طباق بين "فاز" وجاء "قامرا".
هذا، وأقف عند هذه الأبيات قليلًا، لشدة ما تعجبني. وقد وجدت بعض الشراح يفسرون النعش بالمحفة، أعني في قوله:
ألم تر خير الناس أصبح نعشه ... على فتية قد جاوز الحي سادرا
وعندي أن هذا بعيد. وإنما أراد الشاعر بالنعش، مدلول هذا اللفظ الظاهر وقد عجبت طويلًا للنابغة يذكر موت النعمات في أول الشعر، ثم يعود بعد ذلك ويعتذر له اعتذارًا يُفهم منه أنه يخاطب حيًا؟ وإذن فما الذي جسره على ذكر الموت في مثل ذلك المقام؟ وهل كان يجدر به وهو يعتذر ويرجو العفو، أن يذكر للملك ما عسى أن يكدر عليه؟ ألم يعب النقاد على أبي نواس أنه استهل قصيدة في مدح البرامكة بما يشعر بالشؤم، وعدّوا ذلك من البراهين على أنه كان منحرفًا عنهم؟ ألم يرووا أن الفضل بن يحيى، أو جعفر بن يحيى تطير بغناء المغني:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي ... عليه الموت يبرح أو يغادي