للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتصبر للبين المشت على الجوى ... أم أنت امرؤ ناسي الحياة فجازع

كأنك بدع لم تر الناس قبلها ... ولم يطلعك الدهر فيما يطالع

فليس محب دائما لحبيبه ... ولا ثقة إلا له الدهر فاجع

كأن بلاد الله، ما لم تكن بها، ... -وإن كان فيها الناس- وجش بلا قع

فما أنت إذ بانت لبيني بهاجع ... إذا ما اطمأنت بالنيام المضاجع

أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع

نهاري نهار الناس حتى إذا بذا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع (١)

ولعلك تكون قد لمحت هنا موضع الإيطاء، وقد ذكرنا لك أن مثل هذا كان يجيء من الشعراء القدماء، ولا يلتفتون إليه.

لقد رسخت في القلب منك محبةٌ ... كما رسخت في الراحتين الأصابع

أحال على الهم من كل جانب ... ودامت فلم تبرح على الفواجع

ألا إنما أبكي لما هو واقع ... فما جزعي من وشك ذلك نافع

وهنا مقابلة معنوية خفية جدًا. وهي أنه بالجزع يحاول أن يدفع ما سيقع، وليس ذلك بنافع.

وقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... بنا وبكم من علم ما البين صانع

وقوله: "والنوى مطمئنة" ضد لقوله: "البين" كما ترى.

وأشفق من هجرانكم وتروعني ... مخافة وشك البين والشمل جامع

فما كل ما منتك نفسك خاليًا ... تلاقي، ولا كل الهوى، أنت تابع

وأقف قليلًا عند هذا البيت، فهو عندي من آيات الوجدان، لأنه يدل على أن قيسًا


(١) أي رفعتني إليك المضاجع وذلك أنه يرى طيفا منها وهز بمعنى رفع الآن في لغة أهل المغرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>