قيسًا بالرغم من حبه الشديد للبنى قد حاول أن يتسلى عنها بغير هاثم هو لم يخل من وجد وكلف ببعض من رام ودادهن سواها. إلا أن شبح ذلك الود كان يكنه لها، وشبح تلك الألفة التي كانت بينه وبينها، وشبح ما شاع بين الناس من غرامه بها، وانصرافه إليها، كل ذلك كان يحول بينه وبين أن يزيغ هوى جديدًا، يتسلى به عن هواه القديم الذي قد أخفق.
لعمري لمن أمسي ولبنى ضجيعه ... من الناس ما اختيرت عليه المضاجع
هذا البيت يؤكد المعنى الذي ذهبنا إليه قبلًا. ألا ترى أن الشاعر يريد أن يوضح لك فيه سبب انصرافه عن كل ما منته نفسه خاليا، ويبرر سبب انصرافه عن كل الهوى؟ ألا تراه هذا البيت أنه لا يزال يطلب لبنى، وأنه عليها غيور حريص؟
فتلك لبيني قد تراخى مزارها ... وتلك نواها غربة ما تطاوع
وليس لأمر حاول الله جمعه ... مشت ولا ما فرق الله جامع
فلا تبكين في إثر لبنى ندامة ... وقد نزعتها من يديك النوازع
وهل النوازع إلا القدر الذي يسخره الله؟ أم ترى أن القافية لو كانت تستقيم على الهاء، كان استبدل من النوازع اسمه جلّ وتقدّس؟
وبعد، فلا أريد أن أثقل عليك بتبيين مواضع الطباق فيما قد سبق، فكل ذلك ظاهر، سواء ما كان الطباق فيه بين أضداد مفردة الألفاظ، وما كان بين أضداد منفية بالنفي الظاهر، وما كان بين أضداد يتصيدها المرء من مضمون المعنى، على نحو ما في قول هدية:
فإن يك أنفي زال عنه جماله ... فما حسبي في الصالحين بأجدعا
وقد تعمدت أن أختار لك من أشعار قيس بن ذريح، دون جرير والأخطل