للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعدي بن الرقاع، وكثير عزة، لأنه من أصحاب الطبع، وليس ممن يتوقع منه الطباق والتصنيع في رأي الآمدي وأضرابه. وأحسب أن هذه الأمثلة التي قدمتها لك، كافية لدحض زعم النقاد ودعواهم أن الطباق لم يكن كثيرًا عند القدماء.

والفرق بين طريقتي القدماء والمحدثين في تعاطي الطباق فرق اتجاه وذوق ومذهب، ولا كم وكثرة. ولعل الأمثلة التي سبق تقديمها تعرض لك مذهب القدماء بوضوح، وهو أنهم كانوا يطلبون الطباق من أجل أن يوازنوا بين معنى سابق، وآخر لاحق، ويكون السابق كالمثال، واللاحق يُحذى عليه حذو النعل، أو يقع موقعه، كما تقع الأيدي مكان الأرجل؛ في مشي ذوات الأربع. وإذ كان هذا مذهبهم، فلم يكونوا يتعمدون أبدًا ضربه لازب، أن يطابقوا بين كلمة وأخرى مضادة لها في المعنى، كالليل والنهار، والطريف والتليد. وإنما كان يغنيهم يجزئ عندهم، أن تضاد كلمة كلمة، أو كلمة، عدة كلمات، أو تركيب تركيبًا، أو معنى معنى آخر. وتجد الطباق الذي يمكن تصيده من جملة مدلول الكلام، نحو بيت هدبة السابق، ونحو وقل قيس بن ذريح:

وقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... بنا وبكم من علم ما البين صانع

أكثر ورودًا في أسلوبهم من الطباق الذي توازى فيه لفظة لفظة كقول النابغة:

وهمين باتا مستكنا وظاهرًا

ويمكن تشبيه الطباق الكلي المتصيد من جملة الكلام، بحسب ما كان يرد في كلامهم بالجناس الحرفي الذي في قول النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب

وقول زهير:

إذا لقحت حرب عوان مضرة ... ضروس تهر الناس أنيابها عصل

<<  <  ج: ص:  >  >>