ولا تجعليني كامرئٍ ليس همه ... كهمي، ولا يغني غنائي، ومشهدي
وقوله:
ولكن نفى عني الرجال جراءتي ... عليهم، وإقدامي، وصدقي، ومحتدي
لعمرك، ما أمري علي بغمةٍ ... نهاري، ولا ليلي علي بسرمدٍ
وقول علقمة بن عبدة يصف الخمر:
تشفي الصداع، ولا يؤذيه صالبها، ... ولا يخالط منها الرأس تدويم
وهذا الصنف عزيزٌ جدًا، لأنه أقدم أنواع التقسيم الواضح جميعها فيما نرى. ودعنا نصطلح له اسم التقسيم المرسل. ومن خير أمثلته، وأندرها، قول زهير يصف القطاة ومطاردة الصقر لها؛ وكان قد شبه بها فرسه (١).
كأنما من قطا الاحباب، حلأها ... وردٌ، وأفرد عنها أختها الشبك،
جونية، كحصاة القسم، مرتعها ... بالسي ما تنبت القفعاء والحسك،
أهوى لها أسفع الخدين، مطرقٌ ... ريش القوادم، لم ينصب له الشبك،
لا شيء أسرع منها، وهي طيبةٌ ... نفسًا بما سوف ينجيها وتترك
وهذا البيت فيه مواقف، ولكنها خفية اختيارية، فلذلك لم نبينها، ويوشك
(١) مختارات الشعر الجاهلي: ٢٩١. يقول: هذه الفرس تشبه قطاة الآبار الصحراوية، أرادت أن ترد، فحلأها: أي منعها من الورود أن رأت قومًا يردون، والورد: جماعة الواردين، وكانت أخت لها قد اصطيدت. وهي جونية تشبه الحصاة التي يقسم بها الماء في الصحراء، ومسكنها في السي: أي الصحراء البعيدة (ونقول في السودان: الصي بالصاد) حيث تغتذي القفعاء: بتقديم القاف على الفاء، من نبت البادية، وتشبه به الدروع؛ والحسك: نبت ذو شوك ويعرف بهذا الاسم، وباسم الحسكنيت في السودان. ثم يقول الشاعر: هذه القطاة أهوى لها صقر في خديه سفعة: أي حمرة تضرب إلى السواد وريش قوادمه ملبد كثيف، فلا شيء أسرع منها حين تنجو منه. وقوله مطرق، فالمطرق والمطارق على صيغة اسم المفعول: هو ما كان كثيفًا، كأنه من طبقتين. تقول: طارقت نعلي: أي جعلتها من طبقتين.