للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتكلفهم قُربى ولا نسب، ونفوره هو نفسه عن عنصري السجع والموازنة اللذين فيه، بنبيء بذلك، لأن هاتين خصلتان من صميم آثار البداوة.

وقد كان ابن رشيق أحذق من أبي هلال ومن قُدامة، إذ تنبه لما تنبها إليه، من أن هذا الصنف من التقسيم، كان يرد كثيرًا في أشعار القدماء، وزاد عليها بأن القدماء كانوا لا يعرفون غيره حين يعمدون إلى التسجيع، ومماثلة الأقسام في الوزن، وكأن المحدثين لم يعجبهم هذا من طريقة القدماء، فعمدوا إلى الأقسام، فصغروها، وجعلوها كلمات كلمات، يتبع بعضها بعضًا، إما تكون صفات، وإما تكون أفعالاً، مثل قول البحتري:

قف مشوقًا، أو مُسعدًا، أو حزينًا ... أو مُعينًا، أو عاذرًا، أو عذولاً

وقول ديك الجن:

أحل وأمرر، وضر وأنفع، ولن واخـ ... شن، ورش وابر، وانتدب للمعالي

قال ابن رشيق (٢: ٢٧) بعد أن أنشد بيت ديك الجن:

حُر الإهاب وسيمه، بر الإيا ... ب كريمه، محض النصاب صميمًا

فأكثر البيت ترصيع كيف أردته، وكان المذهب الأول، وهو المحمود، أن يؤتي ببيت من هذا، أو بعض بيت، كما قال امرؤ القيس

وأوتاده ماذية، وعماده ... رُدينية فيها أسنة قعضب

وكما قال أمرؤ القيس:

كحلاء في برج، صفراء في نعج ... كأنها فضة قد مسها ذهب (١)


(١) المشهور في رواية هذا البيت: أنه لذي الرمة ولا ريب أنه ليس لأمرئ القيس فهذا من أخطاء الناسخ، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>