للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل قولهم: "أمر مُضحكاتك، لا أمر مُبكياتك" (١)، وقولهم: "أنت تئق، وأنا مئق، فمتى نتفق" (٢)، فالمُضحكات كالمُبكيات في الوزن. وتئق ومئق كلاهما متوازن. ومثل هذا كثير من الأمثال القديمة، نحو: "الأخذ سُريط، والقضاء ضُريط" (٣) و"الأكل سلجان، والقضاء ليان" (٤) (وإن كان التوازن بين سلجان وليان، من النوع الصرفي لا العروضي). وكان التكرار كثيرًا ما يدخل هذا النوع ليُقويه. مثل قولهم: "إنما أنت عطينة، وإنما أنت عجينة" فهذا كامل التوازن.

ويبدو أن هذا النوع من التسجيع والازدواج المحكم، أول ما بُدى به، كان يجيء في قسيمين قسيمين، مثل: "إذا قُرح الجنان، بكت العينان، وإذا تلاحت الخصوم، تسافهت الحلوم" (٥). ثم تجاوزوا القسيمين إلى ثلاثة، كما في قولهم: "إنه يحمي الحقيقة، وينسل الوديقة، ويسوق الوسيقة" (٦). وترى التوازن الموضعي هنا بين الأفعال الحقيقة، وينسل الوديقة، ويسوق الوسيقة" (٧). وترى التوازن الموضعي هنا بين الأفعال والمفاعيل، والصرفي أيضًا، إذ كل الأفعال مضارعة، ثم تجد الجناس الازدواجي العروضي في الحقيقة والوديقة والوسيقة، وكما في قولهم المنسوب إلى لُقمان بن عاد وابني تقن (٨): قالوا: "كان لقمان رب غنم، وكان ابنًا تقن صاحبي إبل، فأعجبته أبلهما، فراودهما عنها وقال يعرض عليهما ضأئه: "اشترياها ابني تقن، إنها الضأن، تُجز جُفالاً، وتُنتج رُخالاً، وتُحلب كثبًا ثقالاً" (٩) فأجاباه بمثل كلامه: "لا نشريها يا لُقم، إنها الإبل، حملن فاتسقن، وجرين فأعنقن، وبغير ذلك أفلتن".


(١) نفسه: ٤٨.
(٢) نفسه: ٣٢.
(٣) نفسه: ٤٣.
(٤) نفسه: ٤٣.
(٥) أمثال الميداني: ٨٠.
(٦) نفسه: ٢٦.
(٧) نفسه: ٣٧.
(٨) الجفال: الصوف الكثير. والرخاء بضم الراء: جمع رخل بكسر الخاء، وهي سخلة الضأن، وهذا من شاذ الجمع، وأحسب أن راحيل أم سيدنا يوسف عليه السلام أصل أسمها من هذا. وقوله تحلب: أي تحلب من كتب لا تتعب الإنسان كالناقة. وضروعها مع ذلك حافلة ثقيلة.
(٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>