للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه شيء من الأعاريض (١)؟ أليست اللغة العبرية التي نزلت بها التوراة، والأرامية التي تكلم بها عيسى، كلتاهما من أخوات العربية، وتشبهانها شبهًا عظيمًا؟ فلماذا إذا لم تهتديا بالفطرة، إي ما اهتدت إليه العربية، أو إلى شيء شبيه به؟

ولعلك تقول: إن لغة العرب أحدث عهدًا من جميع هذه اللغات، ونجيبك حينئذ بأن في رصانة أوزان العربية، وإحكام التقاليد التي في قصيدها ومقطعاتها، ما يدل على أنها موغلة في القدم. فإن كنت تريد بالحداثة أنها عاشت حية إلى عهد طويل، بعد موت تلك اللغات، فإن في قولك هذا تسليمًا بأنها قد تعرضت من عوامل التطور، لما لم تتعرض له أخواتها. ولعل أهم هذه العوامل جميعًا أن تكون اقتباسها


(١) ((هذا هو رأي مانسون، وقد أشرنا إليه، راجع كتاب the Teaching of Jesus والموسوعة الدينية المسماة Encyclopedia ... Biblica طبعة سنه ١٨٩٩ (المجلد الثالث: ٣٧٩٤) نقترض وجود وزن عروضي في العبرية، محتجة بأن اليهودية كانوا يرتلون ويغنون أناشيد التوراة، يوقعونها على آلات رفيعة. ثم بعد ذلك تعترف بالجهل التام بماهية هذه الأعاريض. ونعترف به كثيرًا ما يعسر تمييز مواضيع الشعر من مواضيع النثر في التوراة. وافتراضها الأعاريض قائم على لا أساس. لأن الكلام لا يلزمه الوزن العروضي، حتى يكون صالحًا للتغني والترنم. بل من طبيعة التغني والترنم أن يحدثا الوزن فيما لا وزن فيه. ذلك بأن المغنى يقدر على أن يمط ويقصر، حيث لا يمط المتكلم ولا يقصر، ويقدر على ملئ الفجوات التي بين الكلمات، بمد الصوت والترتيل، واصطناع الغنن والنبرات. وعندنا في الأغنى الشعبية ضروب من النظم ليس فيها الوزن العروضي، واعتمادها كله عي الموازنة. والناس يغنون بها ويرتلون مثل قول المادح: "الكفة طالا. ودحاج حمد يا باهي الرجالا" وأغاني قبائل البقارة وشعرها، كل ذلك سجع وازدواج. وذكر الفارابي أن الكلام الجود يمكن تلحينه.
وقد تنبه الأستاذ Bentezen إلى عسر الوقوف على أعاريض في اللغة العبرية، كما في كتاب: المدخل إلى التوراة Intro-duction to the old Testament (طبعة كوبنهاجن ١٩٥٢ ص ١١٩) وشك شكا شديدًا في الذي زعمه بعضهم من وجود الوزن السداسي في التوراة. ورجع حدسًا بلا دليل أن النظم العبري من الصنف الارتكازي، مدعيًا أن في الدنيا ثلاثة أصناف من اوزن: هي المقطعي، والكمي، والارتكازي وقد بينا فساد هذا الراي. بمعرض الحديث عن أسلوب الأنجلوسكسونين القديم في التجنيس. وقد حاو أستاذ بينتزن، أن يحسن حدسه فيها نسبه إلى العبرية من استعمال الارتكاز، بقوله إننا نجهل كل الجهل الطريقة التي كان ينطق بها اليهود الأوائل لغتهم. ولعمري أن هذا الجهل وحده، لكاف رفض فكرة الارتكاز. مع التسليم بأنه قلت لغة تخلو منه. وإلى أن تصنا معلومات أوفي فلا محيص من رأى لوث ومانسون في الموازنة العددية ولا تقطع بذلك قطعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>