للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استعملت الوزن المقطعي (١)، بسيطا بلا كم، وهو شيء لم يكن معروفًا في أمها الآرامية؟ أليس في قوة اتصال السريان بالحضارة الإغريقية، ما يشرح سر هذا الوزن المقطعي الدخيل؟ وإذ نرى أن "إشعاع" الإغريق قد أصاب السريان، فأثر فيهم هذا التأثير، ألا يجوز أن يكون قد أصاب العرب، فأثر فيهم تأثيرًا أقوي عن طريق مدينة الفارسية؟ (٢).

والوزن كما لا يخفى أخو الغناء والموسيقا. والناس وأسرع شيء إلى أخذ الغناء والتأثر به. ولو لم يفهموا معانيه. ونحن نشاهد دليل ذلك الآن في بادنا، إذ يأخذ الناس عن المغنيات الأثيوبيات بعض النغمات، مما ينشدنه بلغتهن التي لا يفهمونها. وغنية المعروفة: "يا حبيبي تعالا" (ولا أدري أغنتها أسمهان رحمها الله أم غيرها) إنما هي منقولة النغم من أغنية أوربية، وأنا لا أتزيد فأزعم أن الوزن المقطعي شع على العرب في فخامته الناضجة، كما عرفها الإغريق، أو على طريقة ومنهج واضح حذا عليه الناظم العربي عن قصد وتعمد. وكل ما أريد أن أزعمه هو أن فكرة الوزن بالمقاطع، شعت علي العرب من بريق يوناني فارسي. وتلقوها هم بشغف، وأخذوها وكأنهم لا يشعرون، شأنهم في هذا شأن الصليبين حين أخذوا القافية من العرب. وما إن وجدوا هذه الطريقة المقطعية سبيلها إلى النظم العربي،


(١))) راجع المدخل إلي التوراة لبنتزن ص ١١٩.
(٢) لا يسبقن إلى وهمك يا سيدي أني أريد إلى أن العرب تأثروا بالفرس، الذين تأثروا بالسريان الذين تأثروا بالإغريق. فهذا حدس بعيد. ثم إن السريان لم يزدهر أمرهم بالرها إلا في القرن السادس الميلادي، وفي هذا القرن عاش أمرؤ القيس وعاش قبله المهلهل وجماعة من شعراء ربيعة. فلا بد أن يكون تطور النظم العربي ودخول الوزن المقطعي الكمي فيه، وقد سبق ازدهار السريانية بزمان قديم. وكل الذي أريد إليه هو أن الوزن المقطعي الإغري قيسرى، فأصاب أطرافًا من الأرامية، أدت إلى الوزن المقطعي السرياني، وأصاب أطرافًا من العربية، فأدى إلى الأعاريض العربية المحكمة. وليس الأمر ضربة لازب، أن يحدث الإشعاع الإغريقي في جميع اللغات السامية أثرًا واحدًا. فهي تتفاوت في الجودة والرصانة والقابلية للنماء والآن لا نقول بهذا لما جعل يصح عندنا من أقدامية سبق العرب، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>