للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيرهم من الأمم وخالطوها. وقد اتصلوا عن كتب بآثار المدينة الرومانية في الشام. ورأوا أملاكا عربا يسيرون سيرة رومية أيام "تدمر" وأيام "غسان" من بعد ذلك ويجاب عن هذا الاعتراض، بأن أهل الحجاز كانوا في جملتهم قوما محافظين، ومحافظتهم هذه كانت دينية السنخ (١).

وإنما نزعم لأنا لا نرتاب في أن العرب قد عرفوا في دهرهم السالف ربا واحدا غيورا، كالذي عرفته يهود. ثم جعلوا يتناسبون غيرته شيئًا، وأشركوا معه أربابا آخرين، أخذهم عن العقائد الوثنية، التي كانت عليها بداية جاهليتهم، والتي رأوها في أمم تجاوزهم. وقد نفر بعضهم من هذا الإله الذي دنسه الإشراك، إلى النصرانية واليهود وغيرها. وبقي أهل الحجاز وحدهم أشد الناس حرصا عليه وتمسكًا به، مع ما خالطه من عناصر الإشراك، لمكان البيت الحرام في ديارهم. وقد ظهر بينهم على توالي العصور هداة وأنبياء يذكرونهم شأن هذا الإله، ويدعونهم إلى عبادته دون غيره، مثل صالح نبي ثمود، عليه السلام، ومثل خالد بن سنان، نبي بني عبس (٢)، ومثل جماعة المتألهين الذين كانوا يذكرون دين إبراهيم بمكةـ وقد حفظ لنا الأخباريون أسماء بعضهم، مثل قس بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل، وعبد المطلب بن هاشم. وكل هؤلاء متأخرو العهد، ولا بد أن قد سبقهم رجال اقتبسوا هم منهم هذا التأله.

هذا، وبعض الحكايات والخبار والآثار المروية، وبعض القصص التي وردت في القرآن الكريم، ترينا مدى الرهبة والخشية التي كان ينظر بها أهل الحجاز إلى البيت المقدس بمكة. من ذلك ما رووه من أن بني جرهم فجروا وغدروا، فسلط الله عليهم أضعف خلقه "الذر"، فلم يبق منهم ولم يذر (٣) وأحسب أن أكل الذر لجرهم


(١) نجد في السيرة أن قريشًا اتهمت النبي بأنه كان يعلمه دينه الجديد، رجل من اليمامة، راجع السيرة ١: ٣١٧.
(٢) العقد: ٣: ٣٥١.
(٣) راجع مقدمة معجم ما استعجم البكري.

<<  <  ج: ص:  >  >>