كأنه كناية عن قحط توالت عليهم سنواته. ومن ذلك أن خزاعة بدلت وغيرت، فسلط الله قصي بن كلاب، فانتزع مفاتيح الكعبة من أيديها، وأجلاها إلى الظواهر، ومن ذلك أن أبرهة رام غزو البيت، فبلاه الله بطير أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل. وقد عرف أهل الحجاز عامة بين قبائل العرب، بالحرص على الدين، والتمسك به وعرفت قريش وكنانة وبطون من القبائل الموالية لها خاصة، بشدة التحمس في مراعاة الشعائر والحرمات، وسموا من أجل ذلك بالحمس، وسميت بنو عامر، وهم ليسوا بعيدين في الدار من قريش بالأحامس لتشددهم (١).
أما المجموعة الشرقية من تميم وربيعة وإياد، فلم تكن في مثل هذا التحفظ، بل كانوا سراعًا إلى تقليد الأعاجم، والأخذ عنهم، والاقتداء بهم والأخباريون يروون لنا أن إيادًا بنت الحضر. وأن بعض القائل الأخرى بنت قصورًا عرفت باسم: سنداد، والسدير وبارق والخورنق. وقد ذكر ذلك الأسود بن يعفر النهشلي، في قوله:
ماذا أؤمل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إياد
أهل الخورنق والسدير وبارق ... والقصر ذي الشرفات من سنداد
وقد بنت بنو حنيفة مدينة حجر باليمامة، وبنى كسرى قصرًا لعامله بالبحرين، سماه المشقر، وقد بلغ من تأثر المجموعة التميمية بالأعاجم، أن جماعة منهم سكنوا الحيرة، وعرفوا بإسم العباد، وتعلموا الفارسية، وصاروا يكتبون بها وبالعربية بين يدي كسرى، منهم عدي بن زيد العبادي. وأن فروع تميم صار من مآثرها ومفاخرها أن تحصل على ألقاب، من هذه الألقاب التي كان يطلقها ملوك الفرس والروم على جيرانهم من الأمم المتوحشة، مثل قولهم: أرداف الملوك، يعنون أولئك الرؤساء منهم، الذين كان يستصفيهم صنائع الفرس، مثل المناذرة،