"أخضر" بمعرض نعته للخمر. ولو قد تفطنوا قليلا أن عديًا إنما كان يعني ذلك الخزف الأخضر الفارسي المسمى الحنتم، الذي ذكره الشاعر الإسلامي فيما بعد، حيث يقول:
ومن يبلغ الحسناء أن حليلها ... بفارس يسقى في زجاج وحنتم
أم لعله عنى نوعًا أخضر من الخمر، مما لم تكن تعرفه العرب، وكان يلم به عدي في ديارات النساطرة. ومهما يكن من شيء، فهذا الأخضر الذي يصفه لم يكن للعرب علم به.
ومن ذلك الأعشى (ديوانه: ١٦٢):
ولقد أغدو على ذي عتب ... يصل الصوت بذي زير أبح
فما علمه بالعود ذي العتب والزير الأبح؟ ولفظة الزير خاصة ليست عربية. وهل ترى الأعشى كان يجرؤ على استعمالها: لو لم يتوقع من سامعيه فهم مراده؟ وقل مثل ذلك في كلمة "المزهر" التي يخبرنا العلماء أن أصلها سرياني أو نبطي، ومثلها في ذلك الفعل "ازدهر". ويبدو أن أول استعماله كان في صنعة الغناء. وقد أنشدوا في ذلك (راجع زهر في اللسان) قول القائل:
كما ازدهرت قينة بالشراع ... لأسوارها عل منها صباحا
وهذا البيت مشرقي بلا أدنى ريب، لما فيه من ذكر الأسوار، وهو اصطلاح مأخوذ من الفرس، يراد به الجندي الرامي بالنبل.
وقد تلطف جرير (المادة نفسها في اللسان) وهو تميمي، مشرقي الأصل، فأشار إلى أصل معنى "ازدهر" الغنائي، في قوله يهجو الفرزدق:
فإنك قين وابن قينين فازدهر ... بكيرك، إن الكير للقين نافع