أي ترنم بكيوك لانك ابن قين أي حداد وابن قينة أي مغنية تطرب لهذا القين وتطربه فانظر إلى هذه البراعة والبلاغة.
فلعل هذا كله يقوي ما زعمناه، من قلة تحفظ المشارقة، وإسراعهم إلى الأخذ من الأعاجم. ومن شاء أن يستقصى هذا الباب فعليه بأشعار ربيعة وتميم، وخاصة أشعار عدي بن زيد، والمرقشين، والمهلهل، والمخبل السعدي.
ونحن كأنا لا نرتاب أن والوزن المقطعي، مما أخذوه من الأعاجم، أقدموا عليه حذرين متهيبين أول الأمر. ثم وجدوا من طبيعة لغتهم ما يعين على تنميته وتقويته. ومما يدلك على أن الوزن لا بد أن يكون قد بدأ بالمشرق بين ربيعة وتميم وإياد، هذه الأوزان الغريبة الشاذة التي نجدها في منظومهم، ولا نجدها عند شاعر من شعراء الحجاز، مثل كلمة المرقش:
هل بالديار أن تجيب صمم ... لو أن رسمًا ناطقًا كلم
ومثل كلمة عدي بن زيد (١):
أنعم صباحًا علقم بن عدي ... أثويت اليوم لم ترحل
وهذا الوزن، كان كثيرًا عندهم، رويت منه كلمات لعدي والمرقش والأعشى، ولم يرد منه شيء لزهير والنابغة وعامر بن الطفيل وطفيل الغنوي ولبيد بن ربيعة. وكذلك وزن المرقش:
لابنة عجلان بالجو رسوم ... لم يتعفين والعهد قديم
وهذا كما ترى "بسيط" في طور التكوين. ولا تجد من نحوه مثلا واحدًا فيما وصلنا من الشعر الحجازي.