(٢) راجع الإمتاع والمؤانسة، الجزء الأول، الليلة السادسة. (٣) مما يبعث الدهش والتعجب أن أكثر مؤرخي اللغة العربية المتأخرين، ولا سيما في عصرنا هذا، يزعمون أن اللغة الفصحى، بما نراه من شعرها الجاهلي المحكم، تفرعت من لهجة قريش. لا، بل إنها هي لغة قريش ذاتها، انتشرت بين القبائل، وصارت عمود التخاطب. ولعمري إني لأعجب لقوم لم يكن منهم امرؤ القيس ولا المهلهل ولا النابغة ولا زهير، ولا شاعر واحد ذو بال، كيف تسنى لهم أن يفرضوا لهجهم على الجزيرة؟ والراجح عندي أن اللغة الفصحى إنما نشأت بعد مجهود طويل، بذلته طبقات العلية من كلتا المجموعتين الحجازية والتميمية، في إحكام صناعتي النظم والقريض. ولعله لم يكن يتكلم بها إلا من كانوا على حظ من الثقافة في ذلك الزمان السحيق. وأحيل القارئ بعد على كل كتاب رابين Rabin المسمى Ancient western Arabian ففيه آراء لا تخلو من طرافة. ولماذا رابين؟ هذا سيبويه يتحدث عن لغة أهل الحجاز ويصفها بأنها القدمى ويصف لغة تميم أنها أقيس وذكر علماء اللغة طعنا في لغات من جاور العجم من العرب إلا عبد القيس فقد وصفت بالفصاحة وديارها بالبحرين وشاطئ أوال وبعد ذلك عن ديار قريش وأهل الحجاز لا يخفى فتأمل.