للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوقها بالله حين تراضيا، ... فكانت تديه المال غباً وظاهره

فلما توفي العقل إلا أقله، ... وجارت به نفس عن الحق جائرة

تذكر أنى يجعل الله جنة، ... فيصبح ذا مال ويقتل واتره

وأراد بالعقل هنا: الدية. ولعلك تأملت هنا كيف جعل شطر البيت قسيماً، حتى إنك لو حذفت الوزن لم يفسد ذلك ما جاء به من الموازنة. ونحو هذا قوله (١):

أتاني أبيت اللعن أنك لمتتني، ... وتلك التي تستك منها المسامع،

مقال أن قد قلت سوف أناله، ... وذلك من تلقاء مثلك رائع،

لعمري وما عمري علي بهين، ... لقد نطقت بطلا علي الأقارع،

أقارع عوف لا أحاول غيرها، ... وجوه قرود تبتغي من تجادع

وفيها:

فإن كنت لاذو الضغن عني مكذب ... ولا حلفي على البراءة نافع

ولا أنا مأمون بشيء أقوله، ... وأنت بأمر لا محالة واقع،

فإنك كالليل الذي هو مدركي، ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

فالموازنة ناصعة بينة في كل هذا، وكأن الكلام سيق من طريقها، لا من طريق الوزن.

ومذهب زهير، كما قدمنا لك منه طرفاً في بحر البسيط، يعتمد على المواقف الخفية، وفي الطويل يدخله تقسيم المواقف الواضح نوعاً ما، والموازنة التي تكاد توهم التقسيم، مع مراعاة الموازنة الكبرى، التي تكون بين شطري البيت على أسلوب النابغة. وهاك مثلاً قوله:

إذا السنة الشهباء بالناس أجحفت، ... ونال كرام المال في الجحرة الأكل

رأيت ذوي الحاجات عند بيوتهم، ... قطيناً لهم، حتى إذا نبت البقل،


(١) نفسه: ٢٠٣ - ٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>