للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الآية تريك إلى أي حد اشتطوا في الحيرة مع العداوة حتى نسبوا إلى محمد أنه كان يتلقى وحيه عن أعجمي ممن له علم بسير الأولين. نفاسة منهم وحسدًا.

وكما تعلم أيها القارئ الكريم، وسرعان ما انتقلت خصومة قريش والعرب للقرآن من باب الجدل إلى باب العمل. وقد رام بعض الذين دخلوا في حرب النبي بعد أن فلج أمره أن يقلدوا مذهبه في الوحي والرسالة فافتعلوا لأنفسهم أصنافًا من محاكاة القرآن، من ذلك ما فعله مسيلمة وسجاح وأضرابهما، وقد حفظ الرواة لنا بعض ما جاءوا به- (أم لعلهم افتعلوه على سبيل التهكم والاستهزاء؟ ) نحو قول مسيلمة- يا ضفدعة بنت ضفدعين، علام تنقين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعير (١) وقول سجاح: اليمامة اليمامة، ودفوا دفيف الحمامة (٢).

ثم إن الإسلام ضرب بجران، ونظر العرب في ما خلص إليهم من تراث البلاغة، فوجدوا القرآن في ذروتها، وهو كلام الله المنزل المعجز. فأقبلوا على حفظه وجمعه وتفسيره، وجعل فصحاؤهم من شعراء وخطباء وحكماء وقصاص يتأثرونه ويقتبسون من ضوئه. فأما الشعراء والرجاز وطبقاتهم فأخذوا من بلاغته ما قدروا على أخذه وأدخلوه على ما كانوا يؤمونه من أغراض الرجز والقصيد، وسنعرض لذلك في شيء من التفصيل، فيما بعد إن شاء الله.

وأما أهل النثر من خطباء وقصاص وحكماء فأخذوا من بلاغته ما قدروا على أخذه وأدخلوا على ما آل إليهم من تراث السجع والموازنات والأمثال والمنافرات وغير ذلك م قُريان القول المأثور. وما هو إلا قليل حتى صارت سائر أصناف البلاغة النثرية تقر ومذاهب شبيهة بمذاهب «ما قبل الشعر». في طلبها ضروبًا من الإيقاع والرنين التي لا تصل إلى إحكام الأوزان ذات البحور والقوافي. ولعل


(١) تاريخ الطبري- ٢/ ٥٠٦.
(٢) نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>