للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدولة العباسية من يقارب هؤلاء الذين ذكرناهم إلا ما كان من أمر أبي جعفر وعمه داود بن علي، على فتور ما في كلام هذين.

وقد كان أوائل من دونوا الرسائل يعتمدون مذهبًا قريبًا من الخطبة، كالذي يروى من قول يحيى بن يعمر على لسان يزيد بن المهلب: «أنا لقينا العدو، فمنحنا الله أكتافهم، فقتلنا طائفة وأسرنا طائفة ولحقت طائفة برؤوس الجبال، وعرائر الأدوية، وأهضام الغيطان، وأثناء الأنهار، فبتنا بعرعرة الجبل، وبات العدو بحضيضه».

وفي هذا الكلام مشابه مما روى من خطابة عبد الله بن الزبير عند سيدنا عثمان لما قدم عليه بنبأ الفتح من أفريقية.

وقد سلك عبد الحميد بن يحيى سبيل الخطابة. إلا أنه مال بها إلى شيء من الأناة، التي لا تسمح بمثلها مواقف المنابر، ولكن صحبة السراج، ووقار العزلة. ومن كلام عبد الحميد، قال في كلمته الطويلة التي وصى بها الكتاب (١): «ونزهوا صناعتكم، واربأوا بأنفسكم عن السعاية والنميمة، وما فيه أهل الدناءة والجهالة. وإياكم الكبر والعظمة. فإنها عداوة مُجتلبة بغير إحنةٍ، وتحابوا في الله عز وجل في صناعتكم. وتواصلوا عليها. فإنها شيم أهل الفضل والنبل من سلفكم. وإن نبا الزمان برجل منكم فاعطفوا عليه وواسوه. حتى ترجع إليه حاله. وإن أقعد الكبر أحدكم عن مكسبه، ولقاء إخوانه فزوروه وعظموه وشاوروه. واستظهروا بفضل رأيه وقديم معرفته ... إلخ».

ونفس الخطابة في هذه القطعة وفي سائر الوصية ظاهر. وله من كتاب كتبه إلى أهله وأقاربه (٢):


(١) الوزراء والكتاب ٧٥.
(٢) نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>