زالت تهمي على صاحبه شآبيب الرضا والغفران. وللقارئ الكريم بعد أن يرجع إلى رسائل الخوارزمي فهي مجموعة مطبوعة. قال من رسالة إلى الجرجاني:
«ومن أنقذ إنسانًا من الفقر وانتشله من مخالب الدهر، وفكه من أسار العسر. فقد اعتقه من الرق الأحمر. والرق رقان: رق الملك ورق الهوان والأسر أسران: أسر العدو وأسر الزمان».
ومن أخرى كتب بها إلى الصديق:
«وأظن أن لو ألفيتك عليلاً لانصرفت عنك، وأنا أعل منك. فإني بحمد الله جلد على أوجاع أصدقائي. ينبو عني سهم الدهر إذا رماني. وينفذ في إذا رمى إخواني. فأقرب سهامه مني. أبعد سهامه عني. كما أن أبعدها عني. أقربها مني».
وأحسب نحو هذا لو وقع في دواوين بعض من يُلهج بذكره من أهل العصر لعد مدرسة كأحذق ما يصنع الغربيون. والحمد لله على ما قضى. وله بذلك منا تمام الرضا.
ومن أخرى للخوارزمي في رجل يذمه:
«وإذا أردت أن تعلم أني في ذمك جاد. وفي مدحك لاعب. وإني في الشهادة عليك صادق. وفي الشهادة لك كاذب. فأنظر إلى تهافت قولي إذ لا ينتك، وجاملتك: وإلى إصابتي الغرض وحزي المفصل. إذا كاشفتك وصدقتك. وذلك أن الصادق معان، ومأخوذ بيديه. والكاذب مخذول، مغضوب عليه».
وهذه القطعة كسابقتها مقاربة للشعر- يقربها جودة رنينها وعمق معانيها وحرارة أنفاسها، وصدق صاحبها. وقد وقف الدكتور زكي مبارك عند هذا الجانب من أبي بكر وقفة نفث بها بعض ما كان يعتلج في صدره من حسرات الزمان. وهي من جيد ما كتب في عصرنا هذا، فليرجع إليها في موضعها من النثر الفني (٢ - ٢٦٥).