للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحسب أن الخليل ومن اتبعوه قد أُتوا من حيث إنهم كانوا نحاة. وقد جرت الخليل عادة النحو إلى أن يسلك بالعروض مذهبًا نحويًا. وقد كان رجلاً عظيم الذكاء دقيق المداخل إلى العلل في أبواب النحو. ذكر سيبويه مثلاً أنه كان يمتنع من حذف الأصلي من أمثال سفرجل، ويرى أن تُحقر على سفيرجل لتكون بمنزلة دنينير، كما ترى، مع علمه بأنه لم يجئ سفيرجل في كلام العرب (١) فهذا بعينه هو الاتجاه الذي اتجهه في العروض إذ افتعل أوزانًا في ضوء الذوق العربي، ثم نفى وجودها.

ولقد اضطر الخليل، في حمله العروض على طريقة النحو، إلى أن يستكثر من الاصطلاحات التي قدمنا لك ما نراه من عيبها. وإنما اضطره إلى هذه الاصطلاحات ما تعوده من إتباع القواعد الشواذ في منهج النحو. والعلل والزحارف كلها تنزل منزلة الشواذ من قواعد البحور المثالية وغير المثالية. ولعمري ما أكثرها من شواذ.

وكما أخطأ الخليل حيث حمل العروض على مناهج النحو، أخطأ أكثر المحدثين حيث حملوا الأعاريض حملاً مطلقًا على طريقة المقاطع اللغوية، التي إن صلحت مطلق الصلاحية في توضيح الأوزان الإفرنجية. فإنها لا تصلح إلا على وجه تقريبي في توضيح الأوزان العربية. خذ مثلاً قول دريد بن الصمة:

يا ليتني فيها جذع

أخب فيها وأضع

أقود وطفاء الزمع

كأنها شاة صدع

طريقة التقطيع الحديثة تريك أن البيت الأول (٢) «يا ليتني فيها جذع» مكون من هذه المقاطع: -- U- --U-


(١) الكتاب ٢/ ١٠٧.
(٢) شطر مشطور الرجز بيت عند العروضيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>