وكما ترى فإن «كم» المقاطع في البيتين مختلف. ويكون الشاعر على هذا قد تجوز في تصنيفه. وطريقة التقطيع القديمة تدلك على أن الشاعر زاحف في البيت الثاني، زحافًا محتملاً. وهي في هذا أدق وصفًا لحقيقة تصنيفه من الطريقة الأولى. إلا أنها كأنها ترى في ما صنعه نوعًا من شذوذ.
والحق أن الشاعر لم يشذ ولم يخطئ في نسبه الزمانية بحيث يقال إنه زاحف، وكأنما يؤبن بذلك. ذلك بأن كل عروض إنما هو شكل موسيقي تام ذو أبعاد زمانية ثابتة النسبة بعضها إلى بعض، وليس بمجرد مقاطع طوال وقصار تدل على كم كلامي. وهذه الأبعاد الزمانية بمنزلة القوالب من المقاطع اللفظية طوالها وقصارها. ودريد حين قال:
يا ليتني فيها جذع
أخب فيها وأضع
إنما أراد وزنًا مداره على ثلاثة أبعاد زمانية متساوية ثالثها مقسوم إلى بعدين متلاحقين وهو وزن الرجز.
وصورة جزئه الحقيقية هكذا:
تم تم تم تم
الرنتان الأولى والثانية لكل واحدة منهما حيز زمني منفرد. والثالثة والرابعة في حيز زمني واحد معًا مساوٍ لكل من الحيزين قبله. وقصارى الشاعر في محاكاة هذه الأبعاد، ومحاولة إبرازها إلى الأذن الموسيقية، أن يجعل لكل واحد من البعدين الأولين مقطعًا منفردًا. وما أحرى أن يكون طويلاً، وللبعد الثالث مقطعين معًا، وما أحرى أن يكون أولهما قصيرًا ليكون أدل على التلاحق.