على طريقة مستقيمة من طرق البيان الأصيل. ومتى تأتي للشاعر ذلك أمكنه أن يصعد بالنفس الخطابي. وهو النفس الغالب على أصناف البيان المتعمد بمعرض المناسبات، إلى مراق من الإفصاح الرحب المدى، الذي ربما استثار همم مجموعة بأسرها. على أنه لابد من الاحتراس ههنا بأن النظم في المناسبات مزلة أقدام. وربما وثق الشاعر بملكته ثقة أعمته عن حقائق عوامل الأصالة في نفسه. فتكون هجيراه أن يترنم أنغامًا بما أوتيه من ملكة ودربة، ويحكم نظامًا من المعاني، ثم لا يصاحب ذلك جميعه عنصر الجذب الروحي الذي لابد من لحياة الإطار الموسيقي والعبارة البيانية.
وقد كان أحمد شوقي رحمه الله كثيرًا ما يزال هذا الذلل، وتشفع له مقدرته على النظم والتنغيم. ولقد سبق لي أن ضربت من ذلك في المرشد أمثالاً، ولا أهاب ههنا أن أصف سائر مراثية بأنها من شعر المناسبات وأنها خالية من الروح كل الخلو، لا أكاد أستثني من ذلك شيئًا إلا بيته في سعد رحمه الله:
شيعوا الشمس ومالوا بضحاها ... وانثنى الشرق عليها فبكاها
والصناعة في الشطر الأول لا تخفى، إذ ضمنه قوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (١)} على أنها صناعة خفية التكلف، ورنة النغم تشفع لها.
هذا، ومما يقارب شعر المناسبات في خطورة المرقى، ومقارنة الزلل، شعر المجاريات، وأحسب أن المجاراة الجيدة لا يقدر عليها إلا ملهم موفق أو تجئ على محض الاتفاق والمصادفة.
ذلك بأن الوزن والقافية كما قدمنا لك هما مفتاح التعبير. فالذي يجاري شاعرًا آخر، إما أن يكون قد اتفق له ذلك اتفاقًا وأما أن يكون قد تعمده. فمن أمثلة الأول كلمة أبي الطيب: