للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه لا يعقل أن يكون هو قد تعمد بها مجاراة أبي تمام حيث قال:

السيف أصدق أنباء من الكتب

ومن أمثلة الثاني كلمة شوقي

بسيفك يعلو الحق والحق أغلب

فإنه جاري كلمة أبي الطيب:

أُغالب فيك الشوق والشوق أغلب

ومحل النظر هو هذا الضرب الثاني، لأن الشاعر الذي يوافق آخر قبله في الوزن والقافية على سبيل الاتفاق والمصادفة، إنما يشابهه في أمر واحد فقط، وهو أن كلامه في جملته داخل في حيز المعاني العامة العاطفية التي تشير إليها طبيعة الوزن والقافية: كاستشعار البطولة مثلاً، إذ غير خاف أن أبا الطيب أسبغ على خولة ألوانًا من البطولة، واستشعر ذلك منها، وحسبك شاهدًا صريحًا قوله:

فما تقلد بالياقوت مُشبهها ... وما تقلد بالهندية القضب

ولا تصح المجاراة المتعمدة من الضرب الثاني إلا إذا احتدم جانب العاطفة والروح وغلب على الشاعر غلبة جعلته يتخذ من وزن الشاعر الآخر الذي هو يجاريه، ومن قافيته نموذجًا يحتذى، ومجري يرتاد فيه مسالك تجربته وانفعاله ومقاصد تعبيره. ولا ريب أنه تصاحب هذا النوع من التعمد حالة من حالات الجذب شبيهة بما يعانيه الشاعر حين تُظلم نفسه قُبيل إشراق الشعر عليه. وذلك أنه بالتماسه للنموذج يكون كالمتحسس في الظلمة. فمتى وقع خاطره على كملة شاعر بعينها نزلت عنده بمنزلة المفتاح لما يعلتج في نفسه. ولا أكاد أمتري أن عبدة بن الطبيب قد لاقى عناء من هذا الضرب في قصيدته التي أولها:

هل حبل خولة بعد الهجر موصول ... أم أنت عنها بعيد الدار مشغول

إذ قد نظر فيها إلى كلمة كعب بن زهير:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

<<  <  ج: ص:  >  >>