للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعلنا لا نباعد أن عددنا هذا القري من قُريان المجاراة أدخل في باب الاتفاق والمصادفة منه في باب التعمد البحت الكالح، الذي استشهدنا له بكلمة شوقي في مجاراة المتنبي.

ذلك بأن المتعمد تعمدًا بحتًا إنما يروم مباراة الوزن والقافية بالاجتهاد وقوى الملكة. ولا أشك أنه يرتكب الكلفة والصناعة بادئ أمره. وربما عمد إلى ألوان من التدليس بما هو من بضاعة الشعراء كالافتنان في التنغيم والمحسنات البلاغية واصطياد المعاني الشاردة، كل ذلك يروم أن يضاهئ به ما لابد للشعر الصالح منه، من حرارة النفس، واندفاق الطبع.

وقد يتفق الشاعر المجيد بعد هذا التكلف أن تنفسح بعض آفاق نفسه فيصدق في التعبير، على أن هذا إن تأتي إنما يجئ كالفلتة، وفي الأبيات القلائل. وأكثر مجاريات المرحوم أحمد شوقي من هذا الضرب، كهذه البائية التي استشهدنا بمطلعها فإنها في جملتها ليست بشيء، وكسينيته التي جارى بها البحتري وليته لم يفعل. ومن أغرب ما قرأت من المجاريات كلمة للأديب الغزي أوردها صاحب الخريدة في اختياراته، يجارى بها تائية أبي العلاء التي في سقط الزند:

هات الحديث عن الزوراء أو هيتا ... وموقد النار لا تكرى بتكريتا

وهي كلمته:

أمط عن الدرر الزهر اليواقيتا ... واجعل لحج تلاقينا مواقيتا

ولا أدري لماذا يطلب المواقيت إذ تيسر له التلاقي، ولكنه أتي من طلب المؤاخاة بين الحج والمواقيت فأفسد هذا المعنى كل الإفساد، وخور الشطر الأول يخفي على القارئ

فثغرك اللؤلؤ المبيض لا الحجر الـ ... مسود لاثمه يطوي السباريتا

واللثم يُجحف بالملثوم كرته ... حاشا ثناياك من وصم وحوشيتا

<<  <  ج: ص:  >  >>