والمقابلة ههنا بين اللؤلؤ المبيض والحجر المسود اجتهاد مرهق. ولعمري لو قد شبه ثغرها بالحجر الأسود لكان أبلغ، إذ يسبغ عليه قداسة ونورًا، ولكنه اندفع مع الطباق، ورام المقابلة بذكره أن لاثم الحجر الأسود يطوي السباريت، وهذا كما لا يخفى معنى سرقة من أبي العلاء المعري إذ هو كثير الدوران في لزومياته وما على من يريد لثمًا من ثغر محبوب أن يطوي إليه السباريت؟ أليس كعب بن زهير يقول:
أمست سعاد بأرض لا يبلغها ... إلا العتاق النجيبات المراسيل
هذا ولقد جمح خيال الغزي رحمه الله- اللهم غفرًا، بل إغرابه حتى أخذ ينعي على الحجر الأسود أن الشفاه أجحفت به وأثرت فيه، وثغر المحبوب بزعمه يزداد حسنًا على اللثم فهو ههنا يُربي على الحجر الأسود، فتأمل هذا العنت.
ولعمري أن قوله «واللثم يُجحف بالملثوم كرته» آبدة من الأوابد لجساوة عباراتها وخشونتها. وما للكر واللثم. ولا أحمد قوله «الملثوم» كما لا أحمد قوله «يجحف» - وأما «حاشا» و «حوشيتا» وما إليها فتذكير لنا بأنه يجاري المعري. وويل للكوادن من مجاراة العراب. وإنما أراد إلى قول المعري:
ذم الوليد ولم أذمم دياركم ... فقال ما أنصفت بغداد حوشيتا
فإن لقيت وليدًا والنوى قذف ... يوم القيامة لم أُعدمه تبكيتا
ثم قال الأديب الغزي:
قابلت بالشنب الأجفان مُبتسمًا ... فطاح من ناظريك السحر منكوتا
فكان فُوك اليد البيضاء جاء بها ... موسى وجفناك هاروتًا وماروتا
جمعت ضدين كان الجُمع بينهما ... لكل جمع من الألباب تشتيتا
جسمًا من الماء مشروبًا بأعيننا ... يضم قلبًا من الأصلاد منحوتا
وإنما نظر في هذه الأبيات إلى قول أبي العلاء:
يا دُرة الخدر في لُج السراب أرى ... مُقلدًا بعقيق الدمع منكوتا