للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متناهيًا أو غير متناه، جسمًا أو غير جسم، كما بينا مقالاتهم في غير هذا الموضع (١).

فصارت الجهمية (٢) الذين ينفون عن الله الجهة والحيز، مقصودهم أنه ليس فوق العرش رب، ولا فوق السموات إله، والجهمية الذين يقولون: إنه في الموجودات يثبتون له الجهة والحيز، فبينت في الجواب بطلان قول فريقي الجهمية النفاة والمثبتة، فإن نفاة الجهمية لا يعبدون شيئًا ومثبتتهم يعبدون كل شيء، وذكرت هذين القسمين (٣)، لأنها هي التي جرت عادة المتكلمين بنفي الجهة والحيز عن الله أنهم يعنونها، فإن كانوا عنوا معنى آخر كان عليهم بيانه، إذ اللفظ لا يدل عليه؛ وليس لأحد أن يمتحن الناس بلفظ مجمل، ابتدعه هو من غير بيان لمعناه.

الوجه الرابع:

أنهم طلبوا اعتقاد نفي الجهة والحيز عن الله، ومعلوم أن الأمر بالاعتقاد لقول من الأقوال إما أن يكون تقليدًا (٤) للآمر، أو لأجل الحجة


(١) أشار الشيخ -رحمه الله- إلى رأي الجهمية هذا في كثير من كتبه، منها كتابه: "بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية" ١/ ٣١٤، ٦٠٠، تعليق محمد بن قاسم.
(٢) الجهمية: سبق التعريف بهم ص: ١١٩، ١٧١.
(٣) أشار الشيخ -رحمه الله- إلى هذين القسمين في مجموع الفتاوى ٦/ ٣٨ - ٣٩، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن قاسم.
(٤) التقليد في اللغة: وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به، ويسمى ذلك قلادة والجمع قلائد.
وفي عرف الفقهاء: قبول قول الغير من غير حجة. . . فلا يسمى الأخذ بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - والإجماع تقليدًا، لأن ذلك هو الحجة في نفسه.
قال ابن قدامة: قال أبو الخطاب: العلوم على ضربين: منها ما لا يسوغ التقليد فيه، وهو معرفة الله ووحدانيته وصحة الرسالة ونحو ذلك. . وأما التقليد في الفروع فجائز إجماعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>