للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الخامس والخمسون:

أن هؤلاء المثبتين للحروف القديمة قالوا ما هو أقرب إلى المعقول من قول أهل المعنى الواحد القديم الذي هو الأمر والخبر، فقالوا: الترتيب والتعاقب نوعان:

ترتيب وجودي زماني كترتيب الابن علي الأب واليوم على أمس، ولا ريب أن هذا يمتنع في القديم الأزلي.

والثاني: ترتيب ذاتي حقيقي ليس زمانيًّا، كترتيب الصفات على الذات والعلم على الحياة والمعلول على علته المقارنة له، إذا قدر ذلك، فإنا نعقل (١) هنا ترتيبًا وتقدمًا وتأخرًا بالذات دون الوجود والزمان، وهذا كما لو فرض مصحفًا (٢) كتب آخره قبل أوله، فإنه يعلم أن أول السورة متقدم على آخرها بالذات، وإن كان قد كتب بعده.

قالوا: والكلام على حروفه ومعانيه مترتب في حق الله بهذا الاعتبار، لا بالترتيب الزماني كما يوجد في قراءة القارئين من ترتيب المعاني والألفاظ جميعًا في الزمان، وهذا الترتيب لا ينافي قدمه.

ولا ريب أن ما في هذا من إثبات تعدد المعاني لتعدد الحروف، والحكم عليهما بحكم واحد، وإثبات القدم على هذا الوجه أقرب إلى المعقول من جعل الحقائق المختلفة معنى واحدًا، ثم التفريق بين المعنى والحرف بالتحكيم، فإن هذا فيه جمع بين المختلفين بجعلهما (٣) شيئًا واحدًا، وتفريق بين الشيئين فيما اشتركا فيه.


= المنهيات، خبر عن المخبرات ثم يتعلق بالمتعلقات المتجددات، ولا يتجدد في نفسه". وقال في ص: ١٢٨: "ذهبت الحشوية المنتمون إلى الظاهر إلى أن كلام الله تعالى قديم أزلي، ثم زعموا أنه حروف وأصوات. . ".
(١) في س: فانعقل.
(٢) في ط: مصحف.
(٣) في س: يجعلهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>