الشيخ -رحمه الله- بين في هذا الكتاب وفي غيره من مؤلفاته أن الأصل الذي تفرع منه نزاع الناس في هذه المسألة "هو الكلام الذي ذمه السلف وعابوه، وهو الكلام في المشتبه المشتمل على حق وباطل، فيه ما يوافق العقل والسمع، وفيه ما يخالف العقل والسمع، فيأخذ هؤلاء جانب النفي المشتمل على نفي الحق والباطل، وهؤلاء جانب الإثبات المشتمل على إثبات حق وباطل، وجماعه هو الكلام المخالف للكتاب والسنة، وإجماع السلف، فكل كلام خالف ذلك فهو باطل، ولا يخالف ذلك إلا كلام مخالف للعقل والسمع.
وذلك أنه لما تناظروا في مسألة حدوث العالم وإثبات الصانع، استدلت الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من طوائف أهل الكلام على ذلك بأن ما يخلو عن الحوادث فهو حادث.
ثم إن المستدلين بذلك على حدوث الأجسام، قالوا: إن الأجسام لا تخلوا عن الحوادث، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث.
ثم تنوعت طرقهم في المقدمة الأولى:
فتارة يثبتونها بأن الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون، وهما حادثان.
وتارة يثبتونها بأن الأجسام لا تخلو عن الاجتماع والافتراق، وهما حادثان.
وتارة يثبتونها بأن الأجسام لا تخلو عن الأكوان الأربعة: الاجتماع، والافتراق، والحركة، والسكون، وهي حادثة.
وهذه طرق المعتزلة ومن وافقهم على أن الأجسام لا تخلو عن بعض الأعراض.