للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مخالفة السلف والأئمة وأهل الحديث في الإيمان، مع علمهم بذلك لِما عَنَتَ (١) لهم من شبهة الجهمية المرجئة.

وإنما الغرض بيان ما ذكره الإسفراييني، من أن التصديق لا يتحقق إلّا بالمعرفة والإقرار، وإن كان أراد المعرفة كما قرره هو من قواعده، ولم يُحل ذلك على ما جاء به الرسول من أصول الإيمان، فإذا كان التصديق لا يتحقق [إلا] (٢) بالمعرفة وبالإقرار -أيضًا- باللسان، كان هذا من كلامهم دليلًا على امتناع وجود التصديق بالقلب وتحققه إلا مع الإقرار باللسان وهذا يناقض قولهم: إن الكلام مجرد ما يقوم بالنفس، فهذه مناقضة ثابتة، فإن التصديق الَّذي في القلب إن تحقق بدون لفظ بطل هذا، وإن لم يتحقق إلَّا بلفظ أو ما يقوم مقامه بطل ذاك، فهذا كلامهم، وهو يقتضي أنهم لم يكتفوا بأن جعلوا العلم ينافي الكذب النفساني، حتَّى جعلوه يوجب الصدق النفساني، فيمتنع وجود العلم بدون الصدق، فصار هذا مبطلًا لما أثبتوا به الخبر النفساني، من أنَّه يمكن ثبوته بدون العلم وعلى خلاف العلم وهو الكذب، وهم كما احتجوا بالعلم على انتفاء الكذب النفساني وثبوت الصدق النفساني، فقد احتجوا به -أيضًا- على أصل ثبوت الكلام النفساني.

قال أبو القاسم النيسابوري: "ومما ذكره الأستاذ أبو إسحاق -يعني في إثبات كلام الله النفساني الَّذي أثبتوه- أن قال: الأحكام لا ترجع إلى صفات الأفعال، ولا إلى أنفسها، وإنما ترجع إلى قول الله، وهذا من أدل الدليل على ثبوت الأمر والنهي والوعد والوعيد، فورود التكليف على العباد دليل على كلام الله، وجواز إرسال الرسل


(١) أي: وقع. والعنت: الوقوع في أمر شاق.
انظر: مختار الصحاح -لأبي بكر الرازي- ص: ٤٥٦ (عنت).
(٢) ما بين المعقوفتين زيادة أضفتها ليستقيم بها السياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>