للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موسى - عليه السلام -، وسوف يراه عباده في الآخرة، وليس من شرط كون الشيء موجودًا أن يحس به كل أحد في كل وقت، أو أن يمكن إحساس كل أحد به في كل وقت، فإن أكثر الموجودات على خلاف ذلك، بل متى كان الإحساس به ممكنًا، ولو لبعض النَّاس في بعض الأوقات صح القول بأنه يمكن الإحساس به، وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (١) وهذا هو الأصل الذي ضل به جهم وشيعته، حيث زعموا أن الله لا يمكن أن يرى، ولا يحس به شيء من الحواس، كما أجاب إمامهم الأول للسمنية بإمكان وجود موجود لا يمكن إحساسه، ولهذا كان أهل الإثبات قاطبة متكلموهم وغير متكلميهم (٢) على نقض هذا الأصل الذي بناه الجهمية، وأثبتوا ما جاء به الكتاب والسنة من أن الله يرى ويسمع كلامه وغير ذلك، وأثبتوا -أيضًا- بالمقاييس العقلية (٣) أن


= وأتباعهم استوفاها ابن القيِّم في كتابه "حادي الأرواح" ص: ٢٠٢ - ٢٤٦. وهذه الأدلة والأقوال تثبت رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة عيانًا بأبصارهم، وترد على المعتزلة والجهمية المنكرين لرؤيته تبارك وتعالى، فمن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى الكتاب المذكور، وإلى:
الشريعة -للآجري- ص: ٢٥١ - ٢٧٦. والإيمان -لابن منده- ٣/ ٧٥٨ - ٨٨٩. والرد على الجهمية- للدارمي ص: ٥٣ - ٦٨.
(١) سورة الشورى، الآية: ٥١.
(٢) في الأصل: "متكلموهم". والمثبت من: س، ط.
(٣) يقول ابن القيِّم -رحمه الله-:
"ثبت بالعقل إمكان رؤيته تعالى، وبالشرع وقوعها في الآخرة، فاتفق الشرع والعقل على إمكان الرؤية ووقوعها، فإن الرؤية أمر وجودي لا يتعلق إلَّا بموجود، وما كان أكمل وجودًا كان أحق أن يرى.
فالباري -سبحانه- أحق أن يرى من كل ما سواه، لأنَّ وجوده أكمل من كل موجود سواه".
راجع: مختصر الصواعق المرسلة -لابن القيِّم للموصلي- ١/ ٢٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>